عبدالعزيز السماري
يتردد كثيراً مصطلح الفوضى الخلاّقة عند الحديث عما يحدث في العالم العربي من حروب أهليه ودمار، ويرجع خبراء السياسة هذا المصطلح إلى الإدارة الأمريكية، وإلى خلقها لهذه الفوضى من أجل إعادة تنظيم المنطقة، ويعتقد الكثير أن مصطلح «الفوضى الخلاقة» تمّت صياغته من قبل إدارة المحافظين الجدد ممثلة في وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ويرجعها المحللون إلى أنّ أمريكا تبحث عن مصالحها الأستراتيجية في المنطقة.
مصلح الفوضى ليس جديداً، فقد تمّت صياغته في الستينات الميلادية في عوالم الفيزياء والرياضيات، ويدرس الأنظمة الديناميكية وتأثيراتها في التنبؤ بحالة الطقس، لكن الجديد أن نظرية الفوضى التخريبية، تمت صياغتها لاحقاً في عالم الابتكارات والتكنولوجيا من قبل كلايتون كريستنسن عام 1995، وتصف القدرة على ابتكار منتج بسيط أو خدمة غير مكلفه، تتجذر وتتوسع في البداية في تطبيقات بسيطة في الجزء السفلي من السوق، وبعد أن تؤدي أغراضها التخريبية تتحرك بلا هوادة صعوداً في السوق، وفي نهاية المطاف تؤوي إلى القضاء على المنافسين.
عندما خرج مصطلح الفوضى التخريبية إلى النور كان البيت الأبيض أول متلقيه، وكأنهم وجدوا فيه الدواء الشافي من سرطان الإرهاب الديني للمسلمين، ومن خلاله تمت صياغة نظرية الفوضى السياسية، وتم استبدال اللفظ المتوحش « التخريبية « في عالم التكنولوجيا إلى « الخلاقة « في عالم الحروب، والتي تعني في الأساس نشر الفوضى التخريبية في المنطقة لإعادة صياغة الشرق الأوسط، ولإبعاد الخطر الإرهابي عن حدود الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنهم بذلك يعيدون الصراع إلى مرحلته البدائية والمتخلفة في المنطقة للقضاء على المنافسين المتخلفين من خلال منتج متخلف.
لم تأت هذه القراءة من فراغ، بل جاءت من قبل عالم يفكر في كل اتجاه، ويحاول استثمار النظريات العلمية والفيزيائية من أجل مصالحه السياسية، وتنجح تطبيقاتها بسبب درجة التخلف التي يعيش فيها المسلمون في المنطقة العربية، وقد وجدوا في الطائفية وحالة الكراهية التي تعيشها المنطقة المنتج الملائم لخلق الحالة التخريبية، بعد أن توصلوا إلى أن أمريكا لن تنتصر في حربها ضد الإرهاب في تلك المستويات البدائية من حالة الحرب.
اكتشف الغرب كماً هائلاً من الكراهية الدينية عند الشيعة الإثني عشرية ضد السنّة، ويصل إلى درجة تربية الأطفال على كراهية التاريخ السني منذ الصغر، ولدرجة تخصيص أيام سنوية للاحتفال بالكراهية ضد رموز السنّة، كذلك وجدوا كماً هائلاً من الإقصاء الكريه والفوقي في مناهج المدارس عند السنّة، لدرجة رفض التعايش مع المخالفين وعدم الصلاة معهم، وتصل إلى الدعوة إلى القطيعة مع المخالفين في العقيدة، وإلى عدم الثقة بهم، كذلك اكتشفوا حالة الإقصاء والعزلة التي تعيشها الفرق الباطنية إن صح التعبير، خوفاً من التطرف السلفي.
من خلال هذه الأرضية المشبعة بالكراهية والبغضاء بدأت إستراتيجية الفوضى التخريبية من خلال ابتكار منتج طائفي بدائي ومتخلف، كان له الأثر العظيم في إذكاء الحروب السفلية مع عالم المسلمين المتخلف، وبدأ تطبيق الحالة في العراق الأكثر تشبعاً بالكراهية الطائفية، فتم دعم الشيعة ضد المكون السني في العراق، تلاه صناعة داعش في شماله، ثم نجحت واشنطن في خلق حالة من الحرب الدائمة في سوريا بسبب الموقف اللاحاسم من بشار الأسد.
جاء سكوت البيت الأبيض عن تمدد الحوثيين وتمكنهم في اليمن موضعاً للشك والريبة، والذي أدى إلى جر المملكة إلى حرب استنزاف سفلية مع الجار اليمني، وكانت الطامة الأكبر في وأد الديموقراطية في مصر ومحاولة إدخالها إلى نفق الفوضى التخريبية، وهي في الطريق إلى ذلك، ولازالت المحاولات جارية لهدم قصة النجاح الوحيد في تونس، بعد أن وجدت لها قدماً في ليبيا من خلال نفس الإستراتيجية.
الغائب عن هذه المعادلة هو الاستقرار الداخلي في المملكة، وتوجد محاولات لجرها إلى حروب الفوضى التخريبية، وخصوصاً أن هناك في البيت الأبيض من يؤمن أن المجتمع السعودي منتج للسلفية المتطرفة، ويعود ذلك إلى وجود كمية هائلة من العقول الساذجة والمتحجرة والمتطرفة طائفياً، والتي وصلت لديها معدلات الكراهية إلى حالة الجنون..
وإذا لم ندرك ذكاء العقل الغربي في تنفيذ مخططاته سنغرق في المستنقع، وإذا لم نصحو من سكرة التفكير المتخلف سنجد أنفسنا نركض في اتجاه الفوضى التخريبية، والله على ما أقول شهيد.