اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
من المعروف أن النجاح في أي عمل من الأعمال وإنجاز المهام التي يتطلبها هذا العمل لا يمكن الوصول إليها إلا بمثابرة، لا تعرف الكلل ولا يتسرب إليها الملل
وكذلك ثبات على الغاية لا يمازجه أي شكل من أشكال التردد وضعف العزيمة، ولا تتفرق به السبل أو تنحرف به عن السبيل الموصلة إلى الهدف المرحلي والغاية النهائية، وأن تكون كل خطوة بحد ذاتها هدفاً يدفع إلى الأمام على الطريق المرسومة نحو الغاية المعلومة، وقد قال الشاعر:
وما لحق الحاجات مثل مثابر
ولا عاق منها النجحَ مثل تواني
وقال آخر:
وأشرف ما يسعى له المرء غايةّ
مغانمها محمودة والمغارم
والتخطيط للمهام وتنفيذها، إذا بُني على أصول خارجة عن الصواب، وشاب التدبير لها شيء من الخطأ، فإن هذا الخطأ مهما خفي واستتر في البداية لابد أن يظهر مع مرور الوقت مثله مثل الذي ينحرف عن طريق سيره انحرافاً يسيراً، ولا يظهر انحرافه عند الابتداء، ولكن إذا ما طال به المسير ابتعد عن الاتجاه، وكلما زاد إمعاناً في السير زاد بعده عن المسار الصحيح، واتضح خطأه والتبس عليه الأمر، واحتجب عنه بعض الفرص، وهذا هو حال عامة الناس وسوء التدبير، فكيف يكون الحال في مجال الحرب والسياسة، والأولى امتداد للثانية ولكن بأساليب أخرى كما قال المنظر الألماني، وقال نابيليون: في الحرب والسياسة لا تستعاد الفرص الضائعة، وقال أكثم بن صيفي: نفاذ الرأي في الحرب أجدى من الطعن والضرب، وقال أحد زعماء الصين: السياسة هي حرب دون سفك دماء، والحرب هي سياسة دامية. وقد قال الشاعر:
من عاش وهو مضياع لفرصته
قاسى الأسى وأدمى كفه الندم
وقال آخر:
كم فرصة ذهبتْ فعادتْ غصة
تشجى بطول تلهف وتندم
والأزمات التي تحتاج إلى مزيد من التدبر ودقة متناهية في تقدير الموقف وترتيب الأولويات بغية التغلب على هذه الأزمات والخروج منها بأقل الخسائر، منها ما تكون بداياتها مشجعة، وتنتهي نهاية مضنية وتكاليفها باهظة، ومنها ما هو عكس ذلك، وبعضها يستمر على نمط شبه متقارب بين أوله وآخره، والحكم على المهام وما يترتب عليها من مواقف، لا يقاس ذلك بالبدايات الوردية وإنما يقاس بالخواتيم الناجحة والنتائج الصالحة، والخطط الإستراتيجية في السلم والحرب عندما يتم إخضاعها للتنفيذ، وتوضع تحت تجربة الممارسة ومجهر الاختبار من المسلم به أن يبرز على هامش تنفيذها مشكلات قصيرة المدى ومنغصات يذهب بسببها بعض الوقت سدى، وقد قال الشاعر:
ترقَّ إلى صغير الأمر حتى
يرقِّيك الصغير إلى الكبير
فتعرف بالتفكر في صغير
كبيراً بعد معرفة الصغير
وقال آخر:
رب أمرٍ سر آخره
بعدما ساءت أوائله
والمثابرة والنجاح توأمان، والثبات على الغاية يترجم النتيجة المستهدفة، وهو قاسم مشترك، يجمع بين كيفية العمل واستثمار الوقت، وبلوغ الغاية النهائية، يعني أداء الواجبات وإنجاز المهام من جهة، والتأهل لحمل المسئولية من جهة ثانية، وامتلاك حق فرض الإرادة من جهة ثالثة، وتحقيق الأهداف غير منقوصة من جهة رابعة، وذلك نتيجة طبيعية للمواظبة على العمل والإصرار على قطف ثماره والحصول على مردوده والسعي الدؤوب، والتحلي بالحكمة وتحويل الصعوبات إلى انتصارات، وكما قال الشاعر:
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه
فمَنْ كان أسعى كان بالمجد أجدر
وبالهمة العلياء يرقى إلى العلى
فمَنْ كان أرقى همة كان أظهرا
وتحقيق الأهداف هو الغاية التي يتطلع إليها كل صاحب عمل ينشد النجاح، وتستويه معانقة الرياح مهما كان موقع عمله وطبيعة مهنته، وكل ما ارتفع سقف أهمية هذه الأهداف ارتفعت معها طردياً التضحيات التي تبذل من أجلها، خاصة تلك الأهداف العسكرية والسياسية التي يتم تحديدها أثناء الحروب للحفاظ على أمن الوطن ومصالحه العليا، والمحافظة على الهدف أهم مبادئ الحرب الأساسية، ولا يحق للقائد العسكري أن يحيد عنه قيد أنملة أو يتصرف فيه من تلقاء نفسه، والإخفاق في تحقيقه يضر بالسياسة العليا للدولة، ويُضعف موقف القيادة السياسية ويُنذر بما لا تحمد عقباه بالنسبة للوطن.
والقائد العسكري له الحرية في أن يغير خطته إلا أنه يجب عليه عدم تغيير الهدف نفسه، وتغيير الهدف حق مقصور على الزعامة السياسية أو القيادة الكبرى التي وضعته، ومقدرة القائد على مواجهة المواقف المتقلبة والظروف المتغيرة في الحرب، هي إحدى المناقب التي تدل على كفاءته وتُخوِّل له حق التعديل والتغيير في الخطة عند الضرورة، أما الهدف فلا يحق له التصرف فيه تحت أي مبرر، وهذه الانضباطية في المحافظة على الهدف من الثوابت التي لا يطرأ عليها تغيير في العلم العسكري، مهما تغير مستوى القيادة، وينسجم مفهومها الانضباطي مع مفهوم الإستراتيجية السياسية، وما ينبثق عنها من إستراتيجية عسكرية، واعتبار الأولى ضمن مسئولية الزعامة السياسية للدولة، والثانية تختص بالمؤسسة العسكرية ولها تفريعاتها الدنيا على المستوى التعبوي والتكتيكي، وعلى المستويات كافة، وفي جميع الحالات يبقى الهدف مرتبطاً بمصدره الأعلى.
وإذا ما نظرنا من زاوية المحافظة على الهدف إلى واقع الحملة الجوية لدول التحالف في اليمن اتضح لنا بجلاء أن هذه الحملة اعتنقت مبدأ التخطيط الشامل والتنفيذ المرحلي، وحافظت على أهدافها المعطاة لها منذ انطلاقاتها وحتى الآن، وأنجزت ما هو مطلوب منها من أهداف عسكرية على أكمل وجه كما أسهمت في إنجاز جانب من الأهداف السياسية. والاعتراف الأممي بهذه الأهداف وتبنَّي مرجعيتها، وإصدار قرار بشأنها، ما هو إلا ثمرة من ثمار العمل المشترك بين قوة السياسة وسياسة القوة.
وعلى هذا الأساس فإن الحملة الجوية أنجزت مهمتها العسكرية، وأوفت بالتزاماتها المهنية، وأدت دورها المطلوب منها لخدمة الأهداف السياسية والتمهيد لتحقيقها، وأصبح العمل العسكري على الأرض في المعترك، وأداؤه على المحك، وتقع عليه وعلى العمل السياسي والدبلوماسي مسئولية ما لم يتحقق من أهدف سياسية، الأمر الذي يتطلب خلق حقائق جديدة على الأرض تتيح للعمل السياسي والدبلوماسي مجالاً أوسع لزيادة المكاسب، وتحييد المتاعب، وبالتالي تتضافر الجهود نحو تحقيق الغرض المطلوب.