د. عبدالواحد الحميد
يقول الملحق الثقافي السعودي في أمريكا الدكتور محمد العيسى إن الطلبة السعوديين يتلقون عروضاً للعمل من جهات توظيفية أمريكية، وبخاصة طلبة الطب.
الواقع ان الكثير جداً من الطلبة الأجانب الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية، من مختلف الدول ومختلف التخصصات، يتلقون عروضاً للعمل في أمريكا إذا كانوا متفوقين أو من أصحاب التخصصات النادرة. وفي السنوات الأخيرة، هناك تركيز على تخصصات معينة مثل الطب والهندسة والحاسب الآلي.
وغالباً ما تنتهي عملية استقطاب الطلاب للعمل بمنحهم الجنسية الأمريكية حيث يصبحون مواطنين أمريكيين لهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات مثل أي مواطن أمريكي آخر. وهذه العملية هي ما يُعرف بـ»نزيف العقول» حيث تخسر الدول النامية كل عام آلاف الكفاءات من طلبتها الذين يدرسون في الخارج ويستقرون هناك بسبب الإغراءات المالية والعلمية والبحثية ومناخات الحرية الشخصية والسياسية. فهذه الدول النامية تخسر مليارات الدولارات على تعليم أبنائها في مختلف المراحل التعليمية ثم يسافرون إلى الغرب لإكمال دراساتهم العليا ويستقر بهم المقام هناك، فيستفيد الغرب من كفاءاتهم وتفوقهم دون أن يتكبد تكاليف الإنفاق عليهم في مراحلهم التعليمية السابقة.
وقد كان الطلاب السعوديون المتفوقون المبتعثون إلى الولايات المتحدة يتلقون على مدى العقود الماضية عروضاً للعمل في امريكا بعد التخرج منذ أن كان الابتعاث بأعداد محدودة. لكن القدرة الاستيعابية لسوق العمل السعودي، سواء الحكومي أو الخاص، كانت تحول دون بقاء هؤلاء الطلاب في أمريكا بعد تخرجهم.
لهذا لم يكن غريباً أو مفاجئاً أن نسمع من الملحق الثقافي السعودي في أمريكا أن طلبة الطب، وربما بعض التخصصات الأخرى، يتلقون عروضاً للعمل في الولايات المتحدة، لكن المهم هو الحيلولة دون أن يقع طلبتنا المتفوقون في إغراء هذه العروض.
بالطبع، هذا لا يحدث الآن على نحو يمكن أن نعتبره ظاهرة، لكنه قد يحدث إذا انتفى الحافز للعمل في الداخل. ومن أهم الحوافز التي تجذب أصحاب الكفاءات للعودة إلى بلدانهم هو أن يتاح لصاحب الكفاءة العمل في مجال تخصصه وأن يتم توفير المناخ العملي المناسب والتقدير المالي المكافئ لندرة التخصص. ففي الكثير من البلدان النامية هناك أنظمة مالية وإدارية لا تُميز بين أصحاب الكفاءات وغيرهم من أصحاب التخصصات المتاحة بوفرة، كما أن ظروف سوق العمل الخاص غير عادلة أحياناً.
إن قِوى العرض والطلب على الكفاءات البشرية يجب أن تكون هي الفيصل في توفير حوافز جذب طلبتنا للعمل في الداخل. وما دام أننا، ولله الحمد، لا نعيش ظاهرة عدم عودة المبتعثين إلى الوطن، كما هي الحال في بعض الدول النامية الأخرى، فإنّ مراعاة هذه الحوافز من الآن تصبح مهمة جداً لكي نقطف ثمار برنامج الابتعاث الذي هو أحد أكبر المشاريع التنموية المستدامة التي أقدمت عليها بلادنا، وبخاصة في ظل الحديث عن تعرُّض بعض الطلبة المبتعثين للبطالة بعد تخرجهم وعودتهم للوطن.