اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
لقد تعاقبت على الأمة العربية حقب زمنية، وأتى عليها حين من الدهر، ووهن منها كل شيء، حتى أنها أصبحت في ذاتها مكلومة ومن داخلها مهزومة، يتحكم في مصيرها غيرها، فلا يكاد يسمع لها خطاب، ولا يحسب لها حساب، وأصبح الواقع العربي محل تندر ومضغة على الألسن بسبب
سقوط الهمم وضعف الإرادة في مواجهة الأعداء، كما هو الحال بالنسبة للعدو الفارسي، وصارت الأمة في أمسِّ الحاجة إلى ما يشبه المعجزة، ليرفع معنوياتها، ويرفع عنها معاناتها، مذكراً إياها بمجدها المندثر، وعزها المندحر، لعل في ذلك ما يستثير الهمم، ويجعلها تستعيد مكانها في الصدارة بين الأمم، معتبرة بقول الشاعر:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب
كم تُظلمون ولستم تشتكون وكم
ألفتم الهون حتى صار عندكم
فشمروا وانهضوا للأمر وابتدروا
فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
تُستغضبون فلا يبدو لكم غضب
طبعاً وبعض طباع المرء مكتسب
من دهركم فرصة ضنت بها الحقب
وقد وجدت هذه المشاعر صداها، والاستجابة لها بلغت مداها، والصبر لم يعد في هامشه فسحة، والنظام الإيراني لا بد من كبحه، وقد استوعب قادة المملكة، وقادة الدول المتحالفة معها هذه الحقائق، وتفاعلوا مع ما تدعو إليه، بعد أن ضاق الجميع ذرعاً بإيران واتساع نفوذها في المنطقة العربية، وتهديدها لأمن دول الخليج، والأمن القومي العربي، فضلاً عن خروجها على ثوابت الإسلام الجامعة وتعاليمه السمحة، عندئذٍ انطلقت عاصفة الحزم، وعصفت بالعصابة الحوثية في اليمن، وكسرت شوكة نظام الملالي في إيران، واستعادت الأمة شيئاً من كرامتها، وضبطت على بداية الطريق الصحيح مؤشر بوصلتها، وكما قال الشاعر:
ورب حرٍ رأي الأوطان صائرةً
يقول قد وجب اليوم النزاع لها
إلى الدمار بحكم العسف والنكب
كأنه قبل هذا اليوم لم يجب
وبعد أن تكلَّلت عملية عاصفة الحزم بالنجاح، وانجزت أهدافها المعلومة، ونفذت خطتها المرسومة، حلّت محلها عملية إعادة الأمل، وهذا الإحلال والإبدال فسح المجال ومهد الطريق للخروج بالمواجهة من دائرة العمل العسكري إلى دائرة أوسع، تجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي والاقتصادي والإنساني، مع التأكيد المطلق على استمرار فاعلية العمل العسكري واحتفاظه بدوره المطلوب منه، بوصفه يمثل المحور الذي تتمحور حوله جميع الجهود المبذولة، وتنطلق منه جميع مسارات العمل، وتلتقي عنده في حركة محورية دائبة، وتغيير شعار عاصفة الحزم فيه تطوير لمسارها، وتنوّع مدلولها يخدم التوسع في عملها وزيادة مفعولها، ولسان المقال وواقع الحال في هذه المرحلة هو قول الشاعر:
السباقَ السباقَ قولاً وفعلاً
حذر النفس حسرة المسبوق
ونظراً للارتباط الوثيق بين العمل العسكري والعمل السياسي، واعتبار كل منها امتداداً للآخر ومتمماً له، فإن قرار مجلس الأمن 2216 وما تضمنه من حيثيات تدعم السلطة الشرعية اليمنية وتناصر الشعب اليمني، رغم أن هذا القرار يعتبر ثمره لجهود سياسية و دبلوماسية استثنائية، إلا أنه لولا الحملة الجوية التي سبقته وواكبته لكان ذلك بعيد المنال، وضرباً من المحال، حيث إنه نتيجة من نتائجها وهدف من أهدافها، إذ حقق جملة من الأهداف السياسية لها، وذلك بانتزاع الاعتراف الأممي بأهداف هذه الحملة واعتماد مرجعية هذه الأهداف وتبنِّيها، والاتفاق على أن يكون تنفيذها تحت الفصل السابع، وبقدر مساهمة مرحلة إعادة الأمل في تفعيل هذا القرار، بقدر ما انضوت تحت مظلته بجميع ما ينفذ تحت اسمها من عمليات عسكرية وإنسانية، وكذلك عمليات الحظر الجوي وتزويد المقاومة بالأسلحة وإسنادها على الأرض وتنوّع مهام هذه المرحلة وتعدّدها ينطبق عليها قول الشاعر:
خُض الحياة وإن تلاطم موجها
في البحر لا تثنيك نار بوارج
والجو ميدانٌ لك فاسبح في الفضاء
خوض البحار رياضة السبّاح
في البر لا يلويك غاب رماح
والصقر يعرف صاحب الملواح
والحملة الجوية لدول التحالف بقيادة المملكة ضد المتمردين في اليمن، لا يشك عاقل في مشروعية أهدافها، وعدالة قضيتها، وصدق مبرراتها، فالمملكة لم تسع إليها، بل فُرضت عليها، وخاضتها دفاعاً عن النفس لتؤمِّن حدودها، وتحمي مواطنيها ومدنها الحدودية، كما أن قرار هذه الحملة لم يتخذ إلا نزولاً عند الضرورة الدينية والمصلحة الوطنية والقومية واستجابة لطلب السلطة الشرعية التي طلبت من المملكة ودول مجلس التعاون والجامعة العربية التدخل العسكري لإنقاذ اليمن من هذا الشر المستطير الذي يتربص به من الداخل، ويهدِّده من الخارج بعد أن استقوى الحوثيون وأنصارهم بالنظام الإيراني، وامتطاهم هذا النظام نحو نشر مذهبه، وتحقيق مآربه على حساب أمن اليمن وأمن جيرانه والأمن القومي العربي، وهيهات أن يستقيم المسار، ويستقر القرار لآيات الاثني عشرية وغلاة الزيدية، والحق مصان بأهله، ومنصور صاحبه، ومغلوب من يغالبه، ومخذول من يجانبه، ولله در القائل:
وإني شقيٌّ باللئام ولا ترى
وما مُنعت دارٌ ولا عز أهلها
شقياً بهم إلا كريم الشمائل
من الناس إلا بالقنا والقنابل
ومما يؤكد مشروعية الحملة الجوية بقيادة المملكة، ويجعلها مبررة شرعاً وعرفاً، أنها بقدر ما هي استجابة لأمر ديني، فإن لها مبرراتها من الناحية القانونية والسياسية، وأيُّ مبررات أكثر عدلاً وانصافاً من إجابة نداء الحق، والتصدي لفئة باغية، وعصابة طاغية، والانتصار لفئة مبغي عليها، طلبت النصرة من ظلم ذوي القربى وجور الأعداء واستجارت بجوارها من بلاء ابتليت به واضطهاد تعرضت له. وصلف العصابة الحوثية وعدوانها لم يتوقف داخل حدود اليمن، بل بلغ بها الصلف إلى التعدي على حدود المملكة وتهديد أمنها، الأمر الذي أصبح معه العمل العسكري حقاً مشروعاً وعملاً مبرراً لها، لحماية حدودها وصيانة سيادتها والدفاع عن نفسها، ونصرة من طلب نصرتها واستجار بها، وقد قال الشاعر:
لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا
ولا ينال العلى من قدم الحذرا
والمبررات الأخلاقية والقانونية، تؤسِّس عادة للمبررات السياسية، وتنمِّيها، وموقف الثانية مرتبط بموقف الأولى، وبعضها يعزز بعضاً، ويدعم وجوده، ورغم ما في السياسة من ممارسات فن الخداع والمجاملة، إلا أنها تفقد قيمتها خارج الحقيقة والمصداقية، وأسوأ شيء فيها هو الشروع في العمل ثم تركه ناقصاً، وفي الدبلوماسية لا يكفي أن نكون أصحاب حق، بل يجب أن نستحوذ على إعجاب الآخرين ونجيد فن التعامل معهم، ونجاح العمل العسكري مقرون بمبرراته الأخلاقية والقانونية والسياسية، وتعتمد فاعليته على تفاعل هذه المبررات فيما بينها على نحو إيجابي، كما أن حرفية العمل العسكري وفاعليته تخدم مبرراته، وتؤكد مصداقيتها، وتدفع الجماهير إلى قبولها وقد قال الشاعر:
ولا رأي إن لم يدعم الرأي أبيض
وأسعد أوقات المجاهد ساعةٌ
يقوِّم معوجُّ الزمان وأسمر
بها السيف يُملي واليراع يُسطِّر
وقال آخر:
الحق والسيف من طبعٍ ومن نسبٍ
كلاهما يتلقّى الخطب عُريانا
والمبررات السياسية في الحملة الجوية لدول التحالف في اليمن، يصعب فصلها عن سندها الأخلاقي والقانوني، وقد ترجم هذه المبررات وعكسها على أرض الواقع ما حظيت به عاصفة الحزم من تأييد، وما قوبلت به من قبول حسن على المستويات الرسمية والشعبية، وهذا التأييد والقبول لم يأت من فراغ، وإنما بُني على قاعدة شرعية متكاملة الأركان، تتداخل فيها المبادئ الدينية والحقائق القانونية والمرجعيات السياسية، ومن هذه المرجعيات ما هو سابق للحملة الجوية مثل المبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وعدد من القرارات الأممية، ومنها ما هو ثمرة من ثمارها مثل قرار مجلس الأمن 2216 ووثيقة مؤتمر الرياض من أجل إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية. والحملة الجوية منذ بدايتها وحتى الآن وهي محل تأييد ودعم الدول الشقيقة والصديقة. وهناك من يتجاهل المبررات الداعية إليها، ويحاول الالتفاف عليها، كما هو الموقف بالنسبة لإيران ومَنْ يتحالف أو يتعاطف معها.