اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وعلى صعيد استخدامات الطاقة، وانطلاقاً من أن تطوير المصادر البديلة لها، عادة ما تشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام الوطني لأية دولة، ويعتبر ذلك هدفاً من أهدافها وحقاً من حقوق الوطن والمواطن عليها،
فإن إيران تحت غطاء أحقيتها في امتلاك الطاقة النووية السلمية عمدت إلى تبنِّي برنامج نووي متعدد المواقع ومتشعب الأغراض، ومهما حاولت إخفاء نيتها في الحصول على السلاح النووي فإن طموحها التوسعي وأطماعها الإقليمية تدل على ذلك، خاصة وأنها دولة نفطية والتذرع ببعض مجالات إنتاج الطاقة مثل الطاقة الكهربائية لا يعد سبباً كافياً لادعاءاتها ومراوغاتها والتلاعب بالمصطلحات واقحام الأمور في غير مواضعها.
وقد وجدت إيران في مفاوضاتها مع مجموعة (5+1) فرصة للاعتراف بندِّيتها وقبول نفوذها الاقليمي والمساومة والمقايضة بما يخدم مصالحها، فالخطوة التي تخطوها إلى الخلف في ملفها النووي تتقدم مقابلها خطوتين إلى الأمام نحو الإقرار بتقاطع المصالح معها والاعتراف بنفوذها في المنطقة، والتفاوض في لوزان وما تمخض عنه من اتفاق إطاري كان لمصلحتها حيث إنه يمهد الطريق لتسوية نهائية يتخللها مهل زمنية تتيح الفرص لإيران لنيل أهدافها بدءاً برفع العقوبات ومروراً بإطلاق يدها في المنطقة، وتعريجاً على الاعتراف بمشاركتها وتقاطع المصالح معها وانتهاء بترك الباب موارباً لها لإنتاج السلاح النووي.
والدولة ذات العقيدة الفاسدة التي يبيح مذهبها القتل والغيلة وارتكاب المنكرات والمحرمات، وتزعم أن ظهور إمامها الغائب مرتبط بالإمعان في القتل والافساد في الأرض، وتستحث ظهوره بجرائمها المنكرة وممارساتها الغادرة، وتستهدف السنة وتنعتهم بالنواصب وتنظر إليهم من زاوية عنصرية ومنظور مذهبي، وتنهج نهجاً فاشياً مدمراً، لا يؤمن بكرامة الإنسان ولا يعترف بقوانين الحرب، والدولة التي هذا حالها في حالة ضعفها وتواضع قوتها العسكرية كيف يكون واقعها إذا بلغت أوج قوتها، وحصلت على السلاح النووي ووسائط نقله في غياب توازن الردع وتبادل الرعب.
والنظام الحاكم في أية دولة ما هو إلا مجموعة مؤثرة من الافراد، وينطبق عليها مجتمعة ما ينطبق على أفرادها، والدولة تستمد صفاتها وقيمها ومبادئها من صفات وقيم ومباديء أفرادها، والإنسان يمنعه دينه عن الممارسات الشائنة فإذا ضعف دينه منعته الأمانة والتذمم من ذلك، وإذا غابت تلك منعه الحياء وردعته المروءة وغيرها من القيم، وإذا ذهب ذلك كله تعامل بالرغبة والرهبة بحيث يتحكم فيه سلطان الرغبة ويسيطر عليه شيطان الهوى، حتى يجد ما يردعه ويخاف منه، وهذا هو حال النظام الإيراني الذي إذا لم يخف ويُردع بالقوة فلن يترك ممارساته ولن يقلع عن حماقاته، وسياسة القتل والتدمير والتخريب التي يمارسها هذا النظام من خلال أذنابه وعملائه في عدد من الدول العربية تقف شاهدة على خبث النية وسوء الطوية.
وعلى الجانب المقابل فإن موقف المملكة ومعها دول مجلس التعاون بصورة خاصة وموقف جامعة الدول العربية بشكل عام تجلى في مواجهة أحداث اليمن، وهذا الموقف تمت الإجابة عليه من خلال عاصفة الحزم وإعادة الأمل، وما نجم عنهما من كسر شوكة إيران وإيقاف تغلغلها في هذا البلد وجعلها تعيد حساباتها، وتدخُّل إيران في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن ما كان له أن يحصل لولا وجود الجماعات العميلة والأذرع الخائنة والفراغ في السلطة، كما أن ضعف الأمن القومي العربي وتخاذل الجامعة العربية عن أداء دورها المطلوب منها، وتراكمات الماضي المؤلمة التي عانتها الأمة العربية، ولا تزال تعانيها، كلها عوامل خدمت إيران ومكنتها من التدخل السافر في شئون بعض الدول العربية، والعبث والإفساد في هذه الدول والقتال الذي تمارسه إيران فيها سواء أكان عن طريق أذرعها أو من قبل بعض عناصرها يعتبر من الأعمال القتالية التي ليس لها رادع، إذ إن حرب العصابات وقتال الميليشيات وما في حكمهما لا يدخل ذلك في مفهوم القتال القابل للردع من وجهة نظر عسكرية وردعه يتمثل في المعاملة بالمثل وكما تدين تدان، والحيلة أجدى من الوسيلة.
وعلى ضوء ما تمتلكه إيران من قوة عسكرية تقليدية وترسانة صاروخية، وما أسفرت عنه مفاوضات ملفها النووي لا مناص أمام المملكة ومعها دول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى من الاهتمام بالقوات العسكرية وتعهد جاهزيتها باستمرار، وتحديث ما يستحق التحديث منها، بما في ذلك التركيز على القوة الصاروخية بشقيها الهجومي والدفاعي مع الأخذ في الحسبان أنه في ظل عدم الالتزام من قبل بعض دول المنطقة بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط، وغياب الضمانات والمصداقية في هذا الأمر، فقد حان الوقت للعمل الجاد نحو امتلاك الطاقة النووية والحصول على السلاح النووي الذي يضمن تبادل الردع مع إيران والدفاع المشروع عن النفس ضد هذه الدولة الثورية المارقة التي ليس لها عهد ولا ذمة، واعتبار ذلك مطلب حتمي وأمر مصيري من أجل البقاء واستمرار الوجود، ولنا في الباكستان والهند أصدق مقال وأوضح مثال، والمال متوفر والعلم متاح والمطلوب علو الهمة والإرادة والطموح وعقد العزم على الاعتماد على الذات، والربط بين تبادل المصالح وبين الندِّية عند التعامل مع الخارج والاستفادة منه دون الاعتماد عليه.
والمراهنة على الحليف الأمريكي لم يعد لها مكان، وفقدت قيمتها والوعود المعسولة أصبحت مملولة، وموقف أمريكا من إيران والملفات الإقليمية أبلغ دليل على ذلك، ولكن مداراة من يستحق المداراة مطلوبة وهي سياسة رفيعة تجلب المنفعة وتحجب المضرة ولا يستغني عنها سيد ولا مسود وقد قيل: المدارة نصف العقل، والعاقل يداري زمانه مدارة السابح للماء الجاري، والمصالح تعتمد على الأخذ والعطاء والمراهن إذا غالى في مراهنته تحَّول إلى رهينة لها.
والدرع الصاروخي الذي يتحدث المسؤلون الأمريكيون عن إمكانية تزويد دول مجلس التعاون به إذا هي أرادت ذلك يعتبر إجراءً دفاعياً على درجة لا بأس بها من الفاعلية ووجودة من صواب التقدير وحسن التدبير، إلا أن هذا السلاح يستطيع في أحسن الحالات اعتراض جزء من الصواريخ المهاجمة في حين يظل الجزء الأكبر قادراً على الإختراق، كما أن إقامة هذا الدرع يجب أن تكون حافزاً على تحسين القدرات الهجومية والدفاعية والإسراع بالحصول على السلاح النووي، وألا يعني ذلك الاعتماد عليه أو يكون فخاً للتخدير والارتهان للغير، وشبكة الصواريخ المضادة للصواريخ وما يترتب عليها من الفعل ورد الفعل مهمتها هي إطلاق صواريخ دفاعية على الرؤس الهجومية القادمة، بهدف تدميرها وهذه الشبكة يمكن الحد من مفعولها بتكثيف الرؤس الهجومية واستخدام رؤوس هيكلية وخداعية بأعداد أكبر مما يمكن للصواريخ الدفاعية مواجهته، وغير ذلك من التدابير المضادة الإيجابية والسلبية.