د. عبدالواحد الحميد
يقول الأطباء إن التدخين هو مفتاح لكل الأمراض الخطيرة، وأن ضحاياه يُقَدَّرون بملايين الأشخاص في العالم، ومع ذلك نجد أن الكثير من الأطباء يدخنون السجائر مثل غيرهم من البشر المتورطين بهذه العادة مما يدل على أنها عادة آسرة يصعب الفكاك منها، وخصوصاً عند الابتلاء بها في سن مبكرة. وقد قامت ولاية هاواي الأمريكية مؤخراً برفع سن التدخين إلى واحدٍ وعشرين عاماً عندما وقع حاكم الولاية قانوناً يحظر بيع وشراء السجائر لمن هم أقل من ذلك السن.
وتدل الإحصائيات المتداولة عندنا في المملكة أن التدخين منتشر بشكل كبير بين المراهقين، وجاء في إحدى الإحصائيات المنسوبة إلى الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين «نقاء» أن نسبة المدخنين بين طلاب المدارس ارتفعت من 15 بالمائة عام 2003 إلى 20 بالمائة عام 2013. وفي إحصائية صادرة من إحدى الجهات الإعلامية التي أعدت استبياناً عن المدخنين بلغت نسبة المدخنين بين طلاب المدارس 30 بالمائة!
هذه الإحصائيات مخيفة، لأن تعاطي السجائر في هذه السن المبكرة يترك آثاراً تراكمية مدمرة لا يشعر بها المدخن إلا مع تقدم السن بعد أن تكون الفأس قد وقعت في الرأس وبعد أن يصبح من الصعب على المدخن الإقلاع عن هذه العادة القاتلة.
وقد لاحظت أنه كلما دار الحديث عن تدخين المراهقين برز من يقول إن تدخين السجائر يهون بالمقارنة مع تدخين الحشيش وتعاطي الحبوب المخدرة والهيرويين وغيرها من أنواع المخدرات الفتاكة المنتشرة بين اوساط بعض الشباب وغيرهم من الفئات الاجتماعية. وهذا صحيح، ولكن وجود بلاء كبير مثل المخدرات لا يقلل من خطورة بلاء آخر يتفق الجميع على أنه أحد أهم أسباب الإصابة بالأمراض الخطيرة المؤدية للوفاة.
نحن بحاجة إلى مراجعة الكثير من الأمور المتعلقة بالتدخين، وفي مقدمتها سهولة حصول المراهقين على السجائر من محلات البيع، وكذلك انخفاض أسعار السجائر عندنا في المملكة. ومن المفارقات الغريبة أن أسعار السجائر عندنا أرخص من أسعارها في بعض البلدان التي تصنعها كالولايات المتحدة بل إنها من أدنى الأسعار على المستوى العالمي! وقد أشارت إحدى الإحصائيات إلى أن المملكة حلت في المرتبة الرابعة عالمياً في استهلاك التبغ (بالمقارنة بعدد سكانها وليس بالحجم المطلق) وأن عدد المتوفين بسبب التدخين في المملكة يبلغ اثنين وعشرين ألفاً كل عام. ولو صحت هذه الإحصائية فإنها ستثبت أن النهم الاستهلاكي تجاوز «الطيبات» إلى استهلاك «غير الطيبات»، وقد تحاشيت أن أقول «الخبائث».
لابد من مراجعة ذلك كله، مع الاهتمام بالتوعية، من أجل حماية القاصرين والمراهقين؛ أجيال الغد.