د. عبدالواحد الحميد
بدر كريم هو ألمع اسم في عالم الإذاعة لدى أجيال كثيرة من السعوديين يوم أن كانت الإذاعة في عز تألقها قبل أن يُفقِدها التلفزيون بريقها وقبل أن تغادر الإذاعات رصانتها ويحل مكانها ضجيج محطات الـ FM وصخبها الذي لا يتوقف.
برحيل الدكتور بدر أحمد كريم في مطلع هذا الأسبوع نكون، حقاً، قد خسرنا إعلامياً مميزاً شاملاً يصعب تعويضه. فقد عمل بدر كريم في مختلف المواقع بالإذاعة، وفي التلفزيون، وفي الصحافة، ومديراً لوكالة الأنباء السعودية، ومحاضراً في الجامعة، ومؤلفاً للعديد من الكتب التي تناول فيها جوانب مختلفة من العمل الإعلامي.
كان بدر كريم عصامياً، فقد بدأ حياته العملية مبكراً قبل أن يكمل تعليمه الابتدائي وصار مذيعاً معروفاً قبل أن ينال الشهادة الابتدائية. ومن المفارقات أن «المذيع» بدر أحمد كريم هو الذي قرأ إسم «الطالب» بدر أحمد كريم ضمن أسماء الناجحين في الحصول على الشهادة الابتدائية، وتكرر ذلك في شهادة الكفاءة المتوسطة. وكانت النتائج، في ذلك الزمان، تعلن عبر الإذاعة وتُنشر في اليوم التالي في الصحف ويُعتبر إعلانها من الإذاعة من المناسبات الاجتماعية المهمة التي تجمع الناس حول أجهزة المذياع!
وقد تواصلت نجاحات بدر كريم المهنية في مجال الإعلام، ثم أخذ مساره الوظيفي والمهني محطة مهمة أخرى عندما تم تعيينه عضواً في مجلس الشورى، وفي السنوات الأخيرة ظل يُمْتِع متابعيه بكتابة عموده الصحفي الذي يعكس تجاربه الطويلة وثقافته العميقة وحسه الإعلامي المرهف.
أحد كُتُب الدكتور بدر كريم الممتعة كتاب «أتذكر» الذي يروي فيه الكثير من تجاربه في الإعلام والحياة. وقد استوقفتني حكاية رواها في سياق حديثه عن أحد برامجه الإذاعية القديمة وهو برنامج «ألف مبروك». هذه الحكاية تتجدد اليوم بشكل آخر في زمن مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد لتُثبت أن الإعلام هو الإعلام حتى وإن اختلفت وسائله، وأن على الإعلامي أن يكون يقظاً لكي لا يقع في مطبات هو في غنى عنها. كانت فكرة البرنامج، ببساطة، تعتمد على ما يصل إلى الإذاعة من رسائل المستمعين للتهنئة بالمناسبات السعيدة كنجاح الطلاب وعقد القِران والشفاء من المرض وغير ذلك. وفي إحدى الحلقات تورط بدر كريم بقراءة رسالة تحمل تهنئة بمناسبة زواج أحد الأشخاص وكان من مشاهير مجتمع جدة، لكن المشكلة أن التهنئة من أساسها كانت مفبركة وأن الشخص المذكور متزوج ولديه أولاد وبنات وسعيدٌ في حياته الزوجية والخبر كاذب من أوله إلى آخره!! وما إن انتهى بث البرنامج حتى انقلبت الدنيا حول بدر كريم الذي اضطر أن يقدم اعتذاراً عبر البرنامج في حلقته التالية وأن يذهب إلى منزل الرجل شخصياً ويقدم اعتذاراً خاصاً له ولأسرته ويؤكد لهم أنه كان ضحية رسالة مفبركة بقصد المزاح أو المكيدة! يذكر بدر كريم في كتابه أن الحادثة وتداعياتها كادت تعصف بمستقبله الإذاعي وقد تعلم منها ضرورة التثبت قبل البث أو النشر.
لعل تلك هي إحدى الرسائل التي يقدمها الإعلامي المخضرم بدر كريم إلى الأجيال الجديدة من الإعلاميين وغير الإعلاميين الذين يتسرعون في نشر أو إعادة نشر ما يصلهم من رسائل أو تغريدات أو أخبار قبل التثبت من مصداقيتها في لهاثهم خلف السبق الإعلامي والاجتماعي. رحم الله الدكتور بدر كريم، وأسكنه فسيح جناته، وسيبقى بدر اسماً خالداً في تاريخ الإذاعة السعودية.