«شيخوخة السكان» تحدٍّ يهدِّد الاقتصاد السعودي في 2050.. والحل رفع سن التقاعد ">
الجزيرة - محمد السلامة:
خلصت دراسة حديثة، نُشرت عبر موقع مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، حول أثر الاتجاه الجديد في شيخوخة السكان على اقتصاد المملكة، إلى التوقع بزيادة نسبة الإعالة في الاقتصاد السعودي إلى 52 في المئة في عام 2050، مقارنة بنسبة 46 في المئة في عام 2015، إضافة إلى ارتفاع عدد الأفراد المستفيدين من مزايا التقاعد، وهو الأمر الذي سيتعين على العاملين دفع المزيد لتغطية تكاليف نفقات التقاعد الإضافية لتلك الفترة.
وأشارت الدراسة إلى أن المملكة تدخل في غمار عصر جديد لا عهد لها به بشأن حجم شيخوخة سكانها، حيث تظهر الأبحاث والبيانات الأخيرة أن هيكل الأعمار في البلاد قد تغير بسبب زيادة في متوسط العمر المتوقع وانخفاض في معدلات الخصوبة، إلى جانب مساهمة عوامل أخرى مثل التقلبات في معدلات الولادة والوفاة في هذا المشهد. متوقعة أن تصل نسبة سكان المملكة الذين يبلغون 60 عاما فما فوق إلى 25 في المئة من إجمالي سكان المملكة بنهاية عام 2050 (40 مليونا)، علاوةً على ذلك فإنه من المتوقع أن تصل نسبة عدد الذين يبلغون 80 عاماً فما فوق إلى 4 في المئة من إجمالي سكان المملكة في نفس الفترة (1.6 مليون).
ووفقاً للدراسة، فإنه على الرغم من أن السمة الأساسية التي يتحلى بها كبار السن الجدد في البلاد هي أنهم أصبحوا على قدر أعلى من الصحة، وهي ظاهرة تعرف في الدراسة السكانية بـ«تقلص زمن دورة تدهور الحالة الصحية»، إلا أن من المتوقع زيادة مصروفات قطاع الصحة خلال الفترة بين 2015 و2050 بسبب الزيادة في معدل الشيخوخة من نسبة 5.4 في المئة (1.6 مليون) إلى نسبة 25 في المئة (10 ملايين)، فيما ستتراجع في المقابل المصروفات العامة لقطاع التعليم في نفس الفترة بانخفاض نسبة الإعالة لصغار السن من نسبة 41 في المئة إلى 24 في المئة، مع توقعات بأن المصروفات في قطاع الصحة وانخفاض المصروفات العامة لقطاع التعليم أن يعادل كل منهما الآخر.
وخرجت الدراسة أيضاً بأن التصاعد في نسبة الأشخاص الذين يبلغون 60 عاماً فما فوق في اقتصاد المملكة سيكون له أثر سلبي على معدل مشاركة القوة العاملة، وقد يهبط به من نسبة 53 في المئة في عام 2010 إلى نسبة 48 في المئة في عام 2050. ومع ذلك، ترجح إمكانية زيادة القوة العاملة إلى إجمالي السكان من نسبة 37 في المئة في عام 2010 إلى نسبة 40 في المئة في عام 2050 نتيجة مزيج أثري كل من الانخفاض المستقبلي لمعدلات الخصوبة والشيخوخة. كما أنه وعلى الرغم من أن الحسابات المتصلة بالنمو الاقتصادي في المملكة تشير إلى بلوغ متوسط معدل النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد نسبة 1.24 في المئة للفترة الواقعة بين عامي 1970 و2010، إلا أنه بأخذ هيكل الأعمار الجديد في الحسبان من المتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي نسبة 1.74 في المئة سنوياً للفترة من 2010 حتى 2050. وعليه، فإنَّ الآثار الاقتصادية المحتملة الناجمة عن الزيادة في القوة العاملة إلى إجمالي السكان LFTP (بسبب الزيادة في السكان المسنين) على نمو الدخل الحقيقي للفرد ستكون إيجابية.
حقائق حول السكان في المملكة
تنشر الأمم المتحدة إحصاءات وتنبؤات حول سكان كل دولة كل عامين كون ذلك جزءا من دورها لتحديث التقديرات والتنبؤات السكانية العالمية الأخيرة التي تعدها شعبة الشؤون السكانية بإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في أمانة الأمم المتحدة. وبشأن المملكة، تظهر التوقعات السكانية للأمم المتحدة أن شيخوخة السكان تدخل في مرحلة جديدة وتقترب من الوصول إلى أعلى معدلاتها على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، يتوقع وصول عدد السكان في المملكة إلى نحو 40 مليوناً في عام 2050، ويمثل من هم في الـ 60 من العمر فما فوق نسبة 25 في المئة. ونتيجة لذلك، ستربو أعداد من هم في الـ 60 من العمر فما فوق على 10 ملايين بحلول عام 2050. وكانت نسبة السكان في نفس الفئة العمرية (60 عاماً فما فوق) 4.4 في المئة (1.1 مليون) في عام 2010، ونسبة 6.9 في المئة (2.1 مليون) في عام 2020.
التحديات التي تواجه صناع السياسة
كما لفتت الدراسة إلى أن شيخوخة السكان ستشكل تحديا كبيرا لصناع السياسة في المملكة على الأجل الطويل، لكن لحسن الطالع - نسبة إلى الدول المتقدمة - يمكن احتواء الوضع في المملكة حالياً لأن نسبة السكان الذين يبلغون من العمر 60 عاماً فما فوق تعادل 5 في المئة فقط. وتابعت: مع ذلك، سيزداد ارتفاع المعدل بدءاً من الوقت الراهن وحتى عام 2050، حيث ستصل بحلول ذلك الوقت إلى نسبة 25 في المئة. وعليه، فإنَّ الزيادة الحادة في المعدل لم تحصل بعد، لكن يتوقع حصولها بعد مضي 20 عاماً، مما يعطي صناع السياسة مزيداً من الوقت للتأقلم وإجراء التغييرات اللازمة التي تناسب الهيكل السكاني الجديد. ومن الأفضل البدء في اتخاذ اللازم في المراحل المبكرة لتخفيف الصدمات الاقتصادية والاجتماعية وتفاديها. وكما تمت الإشارة سابقاً، للمسنين عادات واحتياجات تختلف عن تلك الخاصة بفئة الشباب، فعلى سبيل المثال، عندما يصل عمر الفرد لـ 60 عاماً، فإنَّ مدخراته واستهلاكه وسلوكيات عمله تختلف عن تلك الخاصة بالشباب الذين هم في مقتبل حياتهم. فالأشخاص في مجموعة الستين العمرية يميلون إلى قلة الادخار واستهلاك المزيد. كما أن العديد منهم محالون للتقاعد وبحاجة لرعاية صحية خاصة ويعتمدون على صناديق التقاعد لتأمين الجزء الأكبر من دخلهم.
ومن منظور اقتصادي، ستكون هناك مخاوف بأن عدد العاملين الذين يدفعون جزءاً من دخلهم لصناديق التقاعد لن يكون كافيا لتغطية برنامج التقاعد بسبب زيادة عدد المسنين. والسمة الأساسية بشأن المسنين في المملكة هي تحسن صحتهم بوجه عام، مما أدَّى إلى حصول الظاهرة السكانية المعروفة بـ«تقلص زمن دورة تدهور الحالة الصحية»، فالأشخاص الذين يبلغون من العمر الستين عاماً فما فوق يتمتعون عموماً بقدر أعلى من الصحة مقارنة بالفئات العمرية السابقة، وبذلك تقل حاجتهم للرعاية الصحية ويزداد إسهامهم في الناتج المحلي الإجمالي. وهذا هو سبب اعتماد مجلس الشورى في الخامس من شهر مايو 2014 اقتراح تمديد سن التقاعد للموظفين الحكوميين من 60 إلى 62 عاماً، وإذا ما تم تشريع هذا القرار سيزداد دخل صندوق التقاعد مما يسهل عليه تلبية احتياجات المتقاعدين في البلاد.
أثر شيخوخة السكان على الاقتصاد السعودي
ووفقاً للدراسة، فإنَّ من المتوقع أن تؤثر شيخوخة السكان المتوقعة في المملكة على سلوكيات الأفراد وسينجم عنها تبعات ضخمة بالنسبة للاقتصاد الكلي والمالية عامة. حيث إنه في الغالب ما ينتج عن الأبعاد الاقتصادية للشيخوخة نتائج مثيرة للجدل، ومع ذلك يرجح تباين تبعات الشيخوخة عبر الدول بسبب اختلاف البنى الهيكلية للمالية العامة والرخاء الاجتماعي. ومن أبرز الآثار الرئيسة المتوقعة لشيخوخة السكان ما يلي:
- ارتفاع مفاجئ في نسبة الإعالة في الاقتصاد السعودي إلى نسبة 52 في المئة في عام 2050، مقارنةً بنسبة 46 في المئة في عام 2015. وبافتراض بقاء سن التقاعد ثابتا عند 60 عاماً وزيادة متوسط العمر المتوقع في الفترة ما بين 2015 إلى 2050 من 75 عاما إلى 81 عاماً، فإننا نتوقع أن عدد الأفراد المستفيدين من مزايا التقاعد سيرتفع (بسبب زيادة عدد المسنين) وأن عدد العاملين سينخفض (بسبب انخفاض معدلات الخصوبة). والنتيجة المباشرة لهذه الاتجاهات أنه سيتعين تحميل العاملين حالياً المزيد من التكاليف لسداد النفقات الإضافية للتقاعد (ادخار المزيد لصندوق التقاعد). ويُعدُّ رفع سن التقاعد من 60 عاماً إلى 62 عاماً حسب اقتراح مجلس الشورى أحد الحلول لمواجهة هذا التحدي. ويعد ذلك مجدياً من الناحية المالية لأنه يزيد من الإسهامات في صندوق التقاعد. وفي الوقت ذاته، فإنَّ الفرصة سانحة أمام الحكومة لإرجاء دفع تكاليف التقاعد لمدة عامين مما يفسح المجال أمام مزيد من الاستثمار، إلى جانب أن من مزايا رفع سن التقاعد توفير العرض من القوة العاملة بمزيد من الكوادر التي تمتع بالمهارة والخبرة.
- قد تسفر زيادة الإسهامات لصندوق التقاعد عن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في المملكة، ويمكن أن يتراجع كل من الاستهلاك والاستثمار لقيام الأسر بدفع نسبة أكبر من دخلها لصناديق التقاعد.
- إن الادخار عامل مهم يحدد مدى الرخاء الاقتصادي الذي تنعم به الأسر والبلاد بوجه عام. فعلى الصعيد القومي، تُنمي زيادة مستويات الادخار مقدار رأس المال المتاح للاستثمار، وبالتالي تزيد النمو الاقتصادي. وقد تتغير أنماط الادخار والإنفاق لدى الأسر في المملكة لأسباب عديدة منها شيخوخة السكان. وباقتراب الأفراد في المملكة من سن التقاعد، فإنهم يغيرون من نمطهم في الإنفاق والادخار (زيادة الإنفاق وتخفيض الادخار)، كما يبدؤون في تسييل أصولهم لجني دخل أكثر بغرض التكفل بنفقات معيشتهم والرعاية الصحية. وإذا ما كان معدل شيخوخة السكان مرتفعاً في الاقتصاد، فإنَّ النمط الجديد المتمثل بخفض الادخار وزيادة الإنفاق سيكون له أثر سلبي على سوق الأسهم والأصول الأخرى في حوزة المسنين (تراجع الاستثمار في هذه الأصول يؤدي لانخفاض أسعارها). فالمشهد آنف الذكر لنمط جديد قائم على خفض ادخار كبار السن وإنفاقهم المزيد يكون صحيحاً في ظل غياب الظاهرة السكانية المعروفة بـ«تقلص زمن دورة تدهور الحالة الصحية» في اقتصاد المملكة، ولكن إذا ما مر الاقتصاد بهذه الظاهرة (يصبح الناس أكثر صحة ويعيشون لمدة أطول)، فإنه يتوقع من كبار السن العمل لمدة أطول وادخار المزيد.
- الرعاية الصحية والتعليم: يتوقع زيادة مصروفات الرعاية الصحية بين عامي 2015 و2050 لارتفاع نسبة السكان المسنين من نسبة 5.4 في المئة (1.6 مليون) إلى نسبة 25 في المئة (10 ملايين)، إلا أن المصروفات العامة لقطاع التعليم ستنخفض في الفترة ذاتها بانخفاض نسبة إعالة صغار السن من 41 في المئة إلى نسبة 24 في المئة. ويتوقع ارتفاع صافي الإنفاق عموماً ويعزى ذلك للزيادة الهائلة في نسبة المسنين. وكما سبق ذكره، من المهم مراعاة سمات ظاهرة شيخوخة السكان. وهناك افتراض قائم على أن الأفراد الذين يدنون من الستينات من العمر يتمتعون بصحة أفضل من الأجيال السابقة، لذا ستكون هناك حاجة أقل للرعاية الصحية. ومن المتوقع في هذه الحالة أن الزيادات في الرعاية الصحية سيقابلها جزئياً نقص في المصروفات العامة لقطاع التعليم.
وأوضحت الدراسة، أن الفرضية الرئيسة التي تدعمها تبنى على أساس أن التغيرات الديناميكية في هيكل الأعمار للسكان في المملكة سيكون له أثر كبير على النمو الاقتصادي على الأجل الطويل، مبينة أن فحوى هذه الفرضية هو أن كل جيل يتكون من فئات عمرية، وتساهم كل فئة عمرية فيه بنحو مختلف في الاقتصاد كما أنها بحاجة لأمور مختلفة منه (سلوك مختلف). فنجد أن فئة الشباب تميل إلى كونها أكثر إنتاجية وعملاً، وأقل استهلاكاً، وأكثر ادخاراً. وعلى عكس ذلك، يميل الأفراد الذين يبلغون من العمر الـ60 عاماً فما فوق إلى العمل بقدر أقل (بسبب التقاعد أو المرض)، وقلة الإنتاجية، وكثرة الاستهلاك، وقلة الادخار.
كما لفتت إلى أن التوقعات عادة ما تشير للاقتصاد الذي يتمتع بمعدل مرتفع من الادخار وعرض كبير من القوى العاملة بأن يحقق معدلا مرتفعا من النمو، ويغلب أن يكون العاملون في هذا الاقتصاد بوجه عام من البالغين في سن العمل. ومع ذلك، إذا ما كان معدل الادخار منخفضاً في الاقتصاد وكان عرض القوى العاملة من الشباب، يتوقع أن يحقق هذا الاقتصاد معدلات نمو منخفضة، وغالبا ما تكون نسبة المسنين في مثل هذا الاقتصاد عموماً مرتفعة. وطبقاً لبيانات الأمم المتحدة والفرضيات الموضحة أعلاه، قد يعاني اقتصاد المملكة من تباطؤ النمو الاقتصادي بعد عام 2035 بسبب الزيادة الحادة في الفئة العمرية 60 عاما فما فوق (عند تساوي جميع العوامل الأخرى)، إلا أن الاقتصاد السعودي قد يحظى بنمو اقتصادي أعلى إذا تحققت شروط ظاهرة «تقلص زمن دورة تدهور الحالة الصحية» في البلاد، وإذا تم السماح للمندرجين تحت تلك الفئة بالعمل لمدة أطول. كذلك يتوقع، بافتراض أن سلوك كل فئة عمرية ثابت فيما يخص الادخار وعرض القوى العاملة، انخفاض معدل الادخار والعرض من العمالة في اقتصاد المملكة مستقبلاً لارتفاع نسبة المسنين.