يوسف المحيميد
كثيراً ما تتعرض الأعمال الدرامية لنقد مستمر، وأحياناً توجه الشتائم لبعض القنوات، بتبرير أنها تخدش روحانية هذا الشهر الفضيل، بل يبالغ البعض بتشديد الرقابة على هذه الأعمال الدرامية التلفزيونية الموسمية، والحجر على بعضها، وحجب بعض المقاطع التلفزيونية، وحذف بعض المشاهد!
ولعل الأكثر توازناً هو من ينصح الآخرين ويحثهم بتجاهل ما تبثه القنوات التلفزيونية من مسلسلات وأعمال درامية، وأن يتفرغ للعبادة في هذا الشهر الفضيل.
وأكثر ما يثير في هذا الأمر، وفي غيره من موضوعاتنا الاجتماعية، أننا نمارس الوصاية على الآخرين، فيما يفعلون وما يتركون، وكأنما المجتمع السعودي بكامله هو مجتمع قاصر، ولا بد من الوصاية عليه، وربما الحجر عليه، وعلى عقله وتفكيره، في المقابل نبتكر مراكز الحوار، وندّعي أننا مسؤولون عن بث روح الحوار في المدارس والجامعات والبيوت، من أجل خلق مجتمع مستنير وحر.
من يرغب معرفة مزاج الوصاية التي يعاني منها المجتمع، يتابع أنواع (الهاشتاقات) في موقع تويتر بعد يومين فقط من بدء رمضان، تلك التي تدين المسلسلات والبرامج التلفزيونية، لدرجة تحول الجميع إلى أوصياء على المنتجين لهذه الأعمال، ليس ذلك فقط، بل أوصياء حتى على المشاهدين، على ما يجب أن يشاهدوه وما لا يشاهدونه، وبنوع من التخويف والتهديد، قد يزيد الأمر إلى تحريم بعض المسلسلات، كما فعلوا قبل سنوات مع مسلسل طاش ما طاش!
حتما سيكون الأمر أكثر وعياً، لو قام البعض بوضع هاشتاق محايد، يناقش جودة هذه المسلسلات والبرامج، جودتها من حيث السيناريو والإخراج وأداء الممثلين، وليس من باب الرقابة والوصاية على هذه الأعمال.
ولسنا جدد كمجتمع في أمر الوصاية، منذ الاحتجاج على تعليم المرأة قبل أكثر من نصف قرن، وحتى الآن، بينما الإجابة الطبيعية على هذا الاحتجاج، أن تعليم المرأة هو أمر اختياري وليس إلزامياً، وكثير من أسباب التقدم التي تم حرمان المجتمع منها، على مدى عقود، هي بسبب حس الوصاية على عقول الناس، ومتى تخلصنا من ذلك، استطعنا التقدم وإشاعة مبدأ الحريات، من حرية التفكير، وحتى أبسط هذه الحريات، كمشاهدة مسلسل تلفزيوني في ليال رمضان!