أ. د.عثمان بن صالح العامر
* في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني ذات الدور الرقابي المجتمعي بمفهومه العالمي المعروف، صار المجال مفتوحاً للرأي العام أن يعبّر أفراده - كلٌ بصفته الشخصية وحسب طريقته التي يراها - عن هموم مجتمعه المحلي الذي يعيش فيه ويتحدث باسمه أحياناً، ويمارس - من منطلق ديني ووطني وربما شخصي خاص - دوره الرقابي على مؤسسات الدولة والقطاع الخاص حسب جهده وفي دائرة عرفه بشكل جميل وبناء حقه الإشادة والشكر والتقدير، وقد اتخذ هؤلاء الأفراد الغيورون العالم الافتراضي ميداناً لهم، مركزين جهدهم على تصوير المقاطع المرئية والتعليق عليها، إيماناً منهم بأنّ هذه هي الوسيلة المثلى لإيصال صوتهم إلى المسئول والدفاع عن حقهم وحماية مجتمعهم الذي منح صاحب المنشأة والعاملين معه ثقته، وجزم بصدقه.
* لقد شاهدت هذا اليوم مقطعين يُتحدث فيهما عن سوقين مشهورين في المملكة، أحدهما يغير بتواريخ المنتجات ذات الصلاحية المحددة، والآخر يتلاعب بعملية التعبئة للمشروب، ومن قبل وصلني كلام عن شركة سعودية للوجبات السريعة لا تفي بطلبات المستهلك كما هي، ومطعم يسيء تجهيز الوجبات، وخامس .... وسادس ....، مما يدل على أن السوق السعودي فيه صور متعددة للغش والتدليس، واللعب على المواطن، والإضرار بصحته، عرفنا بعضها وغاب عنا الكثير منها للأسف الشديد.
* إنّ هؤلاء الشباب الذين انبروا لهذا الأمر وخاطروا بأنفسهم ولقمة عيشهم ومصدر رزقهم، من أجل كشف التلاعب الذي تمارسه هذه المنشأة الوطنية أو تلك تحت مرأى ومسمع من المسئولين فيها، حقهم التكريم والإشادة وضمان الوظيفة المناسبة لهم، ومنحهم نوط «نزاهة «، الذي أتمنى أن يستحدث لتشجيع المواطن على المشاركة الفاعلة في التصدي لطوفان الفساد.
* كلنا يعرف الجهود التي تبذلها وزارة التجارة، والتغيير الذي أحدثه معالي وزيرها الشاب الدكتور توفيق الربيعة، ومع ذلك ما زال التجار يمارسون الغش وإلحاق الضرر بالمواطنين، وهذا متولّد من جشعهم وعدم اكتراثهم بمسئولياتهم المباشرة عن صحة الإنسان وسلامته، وتضييعهم لأماناتهم التي سيسألون عنها يوم القيامة، وهذا يعني أننا بحاجة إلى فرض عقوبات أشد، إضافة إلى التشهير الفوري وبلغة قوية ورادعة، من أجل أن يؤثّر في القدرة التنافسية لهذه المنشأة في السوق السعودية مستقبلاً.
* نعم قد يكون في بعض ما يكتب ويقال مبالغة أو تزوير للحقائق، وربما قفز عليها، أو أنه في الأساس مجرد شكاوى كيدية يراد منها النيل من هذه الشخصية العامة، أو زعزعة الثقة في المحل أو السوق والمنشأة ذات السمعة والصيت الإيجابي لدى عامة المستهلكين، والواجب في مثل هذه الحال تطبيق العقوبات الرادعة لمثيري البلبلة ومروجي الشائعات، خاصة وأن المشرع سنّ عقوبات قوية لهذا النوع من الجرائم التي توظف الإنترنت لبث سمومها والافتراء على الآخرين، كما أن على المؤسسة أو السوق والمنشأة التي كتب عنها وقيل فيها ما هي منه براء الرد الفوري وتفنيد الأكاذيب، وقتل الفرية في مهدها بالدليل القاطع والحجة البينة والبرهان الذي لا مرية فيه ولا جدال حوله، حرصاً على نزاهة السوق وضمان ثقة المستهلك.
* في ذات السياق تكثر هذه الأيام التخفيضات التي قد تصل إلى 70% في أسواقنا المحلية، فما فلسفة التخفيضات وآليات مراقبتها وضمان دقتها في جميع أحوالها في السوق السعودي، خاصة وأن المنتج المباع غالباً مستورد، وليس البائع هو صاحب المصنع الذي يخفض هذه النسبة على منتج العام الماضي ليتخلص منه ويفرغ المكان في المستودعات للمنتج الجديد، وعلى افتراض أن التخفيض وصل 70% فكم كان هامش الربح الذي باع به طوال أيام العام ؟!!.
إننا نحتاج إلى سوق نزيهة لا غش فيها ولا غبن ولا احتكار، دمتم بخير، ومبارك علينا وعليكم الشهر الكريم، وإلى لقاء والسلام.