أ. د.عثمان بن صالح العامر
من أصعب أمور الحياة - في نظري - اتخاذ القرار الفردي، خاصة المفصلي منه، كالزواج والتخصص الدراسي والوظيفة والسفر و... فكيف إذا كان المطلوب اتخاذ قرار مصيري يهم مجتمعًا بأسره وله تداعياته وآثاره ومتطلباته الحالية والمستقبلية؟!.
) ولذلك لم يترك الإسلام هذا الباب مشرعاً لكل من هبّ ودبّ أن يقول فيه ما يحلو له زماناً ومكاناً وحالاً، بل بيّن من المخوّل بإصدار القرار السيادي في الدولة الإسلامية، بعد إبرام البيعة لولي الأمر من قبَل أهل الحل والعقد وأعيان المجتمع على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر، ووضّح هذا الدين العظيم المنهج الذي به يتخذ القرار ويرشد، وحدد الكيفية التي بها يطبق وينفذ، وعلّق الأمر في النهاية بعد إعمال العقل الشخصي والاستشارة والاستخارة بإرادة الله الذي يعلم ولا نعلم ويقدر ولا نقدر.
* ودون الخوض في تفاصيل ما قاله العلماء وما استشهدوا به من آيات وأحاديث صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقائع تاريخية تدلل وتبرهن على ما ورد أعلاه. دون ذلك كله فإن ما ألمح إليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف في ثنايا جوابه التلقائي المفحم والقاطع على السؤال المفخخ والملغم، يومئ بكل حزم وصراحة ووضوح أن هناك قرارات سيادية تمثل جهاز الدولة، وتنسب في النهاية للحكومة، لا يمكن أن يقبل ولي الأمر أن تكون في يد غير من يفوض وينيب، كلٌّ في تخصصه وقطاعه الذي وثق فيه ولي الأمر ونصبه عليه، سواء أكان قطاعاً أمنياً عسكرياً، أو تنموياً اقتصادياً، أو تعليمياً أو صحياً أو إعلامياً أو شرعياً أو قضائياً.
* إن واجب العلماء والشوريين والمستشارين وأعضاء المجالس واللجان المعنية بدراسة ملفات الدولة الساخنة والمثقفين والكتاب، بل حتى العامة، إعطاء الرأي ومحض النصح وبيان الحق، دون أن يكون منهم الإثارة والتجييش للجماهير والتأثير السلبي في الرأي العام والقدح في ولي الأمر ومتخذ القرار وعلماء الأمة ورموز الوطن، أو الإشعار بالأستاذية والإلزامية والخيرية المطلقة.
* لقد كان سلف الأمة لهم آراء فقهية في أمور تعبدية يختلفون فيها مع الإمام أو الأمير والخليفة والسلطان، فإذا أخذ صاحب القرار أياً كان نعته وكنيته ومسماه بما ترجح له فيه المصلحة وجمع الكلمة والخير في المسألة التزم العالم الرباني المتعبد بما سنه أمير المؤمنين وأظهره في فعله وقوله، حرصاً على جمع الناس وتأليف القلوب، فأين هذا مما تموج به ساحة عالمنا الافتراضي ويدور في جلساتنا الخاصة والعامة من جدل وأخذ ورد بلا مبرر ودون أدنى دليل؟!.
* إننا في مرحلة دقيقة وعصيبة، والقرار فيها حساس ودقيق، والواجب ألاّ يكون منا البلبلة والإثارة، وإن كان هناك من نصح وإيضاح فيكون في السر وبطريقة لا تؤثر على اللحمة والوحدة الوطنية التي هي اليوم من أقوى الأسلحة في معركتنا مع أعدائنا الحقيقيين.
* ليس على ولي الأمر متخذ القرار أن يشرح ويوضح ويبين ويدلل لك على كل قرار حكومي سيادي مجتمعي يُتخذ ويرى فيه هو المصلحة، ولا يمكن أن تكون كل القرارات المتخذة في هذه المرحلة الحرجة تتوافق مع ما تراه أنت مصلحة لشخصك ولمن تعول، فالمصالح العامة مقدمة على الخاصة كما هو معلوم، ولذلك لا نكثر الجدل والنقاش فيما هو - كما ذكر سمو ولي العهد - شأن الدولة، ولنوجه طاقاتنا وقدراتنا وملكاتنا في الكتابة والتحليل لما هو من المهام الملقاة على عواتقنا ويصب في النهاية في خانة المصلحة الوطنية. حفظ الله ولاة أمرنا وحرس ديارنا وأدام عزنا وأبقى مجدنا ووقانا شر من به شر، وإلى لقاء والسلام.