أ. د.عثمان بن صالح العامر
أبارك لصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن الثقة الملكية الغالية التي منحه إياها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - بالتجديد له أميراً لمنطقة حائل، وأسأل الله له العون والتوفيق، كما أثمّن لسموه الكريم ما قدمه وما زال يقدمه لخدمة أهالي المنطقة وقاطنيها والزائرين لها، سواء من خلال منصبه الرسمي ممثلاً للملك في هذا الجزء من الوطن الغالي، أو عن طريق رئاسته لمجلس أمناء الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل، أو في حال دعمه ومؤازرته وانضمامه لمنظومة القائمين والمشرفين على أعمال المؤسسات والجمعيات الأهلية والخيرية. وعوداً على ما دار في إثنينية سموه - حفظه الله - من نقاش وحوار واسع حيال الأزمة التي يمر بها جيل اليوم في بلادنا الغالية، المملكة العربية السعودية، وبعد أن طرحت في مقال الجمعة ما قيل حيال الأسباب وأبرز المظاهر، أعرض في مقال اليوم الإجابة الموجزة للسؤال الكبير والمهم الذي ختمت به مقالي السابق، والذي جاء على لسان سموه الكريم: (كيف لنا أن نتغير بالشكل الذي يفي بمتطلبات العصر، ويتوافق قبل هذا مع منهج الإسلام الصحيح وعقيدته السلفية الوسطية الصالحة لكل زمن ومكان؛ إذ هي القاعدة التي يقوم عليها بناؤنا الحضاري ومشروعنا الثقافي؟).
وبلا مقدمات ودون إطالة إجمال الإجابة في النقاط الآتية:
- دراسة المسائل الفقهية القديم منها والجديد برؤية عصرية صحيحة، تنطلق من روح النص، وتأخذ في الحسبان صلاحية هذا الدين زماناً ومكاناً وحالاً، وهذا يعني عدم الجمود على التراث بصورته التي جاء بها دون إعادة لقراءته من جديد.
- التوفّر على مشروع ثقافي حضاري وطني يتكئ على الدليل الصحيح، والعقيدة السليمة، وسبر الواقع المعيش برؤية واعية ذات أفق واسع تأخذ في الحسبان التجاذبات والتقاطعات والتحديات التي ولدتها العولمة، وأثّرت بشكل قوي في مسارنا الحياتي وعالمنا المحلي الذي صار أكثر تعقيداً وأخطر تهديداً، مع عدم إغفال ما تتمتع به بلادنا الغالية من خصوصية ومزية لا تماثلها فيه أية دولة أخرى كما هو معلوم.
- التركيز على الأسرة السعودية، والاهتمام بنشر الوعي داخل أروقتها، وإعادة قراءة واقعها اليوم، في ظل التغيرات التي قد لا تتوافق والبناء التكويني المطلوب لأبنائنا الصغار الذين يملكون مهارات التواصل خارج أسوار الوطن في عالم افتراضي لا يعترف بحدود، ولا يؤمن بقيم وضوابط وقيود يفرضها الدين، وتمليها العادات والتقاليد، وهنا يُطرح عبر وسائل الإعلام المختلفة وجوب وجود «وزارة الأسرة»؛ فالمرحلة التي تمر بها بلادنا المملكة العربية السعودية تتطلب ذلك، وعلى عاتق هذا الكيان الوزاري الجديد تقع مسئولية الأسر الجديدة التي تعاني من عدم الاستقرار وكثرة الطلاق، وكذا تذكير القديم منها بواجبها الشرعي إزاء من نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «الرعية»، وتدريب ركنيها - الأب والأم - على التربية الواجبة في عالم اليوم.
- وجود مشروع توعوي تربوي وطني تشترك فيه مؤسسات التنشئة الاجتماعية المعروفة، حتى لا يتعارض الخطاب التربوي وتتناقض الرؤى بين قنوات البناء والتكوين المختلفة، فيكون الشاب في سن المراهقة ضحية التجاذبات التربوية المتعارضة كما هو حادث اليوم للأسف الشديد، فينتج عن هذا «الشخصية المنافقة»، والأخرى المطالبة بمجتمع ملائكي منزه عن الخطيئة مبرء من الآثام.
- نشر ثقافة التربية بالقدوة، وتذكير أولياء الأمور بأنّ الصغار يلتقطون الأفعال، وتؤثر بهم أكثر بكثير من الأقوال والنصائح التي يسمعون.
- الحزم في تطبيق النظام، والتوعية قبل ذلك بالعقوبات المترتبة على التجاوزات التي تضر بالمجتمع وتخل بالأمن، وقبل ذلك إعادة الهيبة لرجل الأمن والمعلم والأب والجار وإمام وخطيب المسجد والمسئول كما كانت في السابق؛ فهم مفاتيح التأثير الحقيقي في البناء التكويني للفرد في هذا المجتمع.
- دراسة التجمعات الشبابية من قِبَل المختصين بالاجتماع وعلم النفس والجماعات والتيارات والمذاهب الفكرية المعاصرة والتقنية وعالم الإنترنت، ومن ثمّ تحديد الاتجاهات الفكرية والتوجهات المستقبلية برؤية علمية رصينة، ومحاولة الرد على الشبه والافتراءات التي قد تدور في ذهنية هؤلاء الشباب باللغة التي يفهمونها.
- تضمين مناهج التعليم التصحيح للمفاهيم المغلوطة لدى البعض منا، والتأصيل للبدائل الصحيحة، أمثال الاعتقاد بأنّ المواطنة تستلزم المماثلة العقدية خلاف ما هو كائن منذ عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - وحتى اليوم، والقضاء على مثل هذه المعارف والمفاهيم التي زُرعت في أرضنا فولدت معها وتولد منها العنف والتطرف والإرهاب.
- عقد مؤتمرات وندوات وحلقات نقاش وحوارات لمناقشة هموم الشباب يشرف عليها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، بالتنسيق مع وزارة التعليم ممثلة في الجامعات السعودية، وينظمها ويشارك فيها ويدوّن توصياتها ونتائجها «الشباب والشابات»، دون تدخل أو وصاية من قبل الكبار الذين غالباً ما يتحدثون بلسان هذه الفئة، ويملون التوصيات المحفوظة غالباً في أدراج المكاتب.
هذا ما عنّ لي هذا المساء. دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.