أ. د.عثمان بن صالح العامر
* يتميز صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالمحسن أمير منطقة حائل بأنه مثقف من الطراز الأول، وموسوعي بامتياز، وهذا الجانب في شخص سموه الكريم يأسرني كثيرًا، ويغريني أحياناً -متى أتيحت لي الفرصة- بأن أستثيره -حفظه الله ورعاه- في مطارحة ومناقشة موضوعات ذات عمق معرفي ولها بعد مجتمعي مهم؛ لجزمي الأكيد وقناعتي التامة بأن ما سيدلي به في موضوع النقاش يعدّ إضافة مميزة للحاضرين مهما كان مستواهم الثقافي، وأنا طبعاً من أول المستفيدين، ولما يتمتع به -حفظه الله ورعاه- من دماثة في الخلق ورقيّ في التعامل وحسن في الاستماع وتميز في إدارة دفّة الحوار فإنه يتيح المجال لأيّ من الحاضرين في المبادرة للمطارحة والاستمرار في المناقشة حتى النهاية.
# إثنينية هذا الأسبوع التي عقدها سمو أمير حائل كعادته الكريمة في قصر أجا وشرفها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز نائب أمير المنطقة، وسمو الأمير عبدالله بن خالد مساعد رئيس مجلس أمناء الهيئة العليا لتطوير منطقة حائل، وعدد من أصحاب الفضيلة والسعادة وجمع من الموطنين، لم تكن حدثاً عابراً في ذهنية البعض منا، إذ أثير وسط الحوار المفتوح سؤال مهم وأساس: ترى لماذا لم يتواكب مع التطور العلمي والتقني الذي ننعم به في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، الذي ولّد الرفاهية لدى المواطن السعودي سلامة في التفكير، ورقي في التعامل، واستقرار وطمأنينة في النفس، خاصة ونحن ننتمي إلى دين يولي الأخلاق والمثل جل اهتمامه وعظيم عنايته، هل نحن إزاء أزمة؟ أم أن هذا الأمر أمر طَبَعِي لا يدعو للتساؤل والقلق؟
# هناك من تبنى أننا نبالغ في جلد الذات؛ فما نمر به أمر طَبَعِيٌّ في تاريخ الأمم والحضارات، مرت به أوروبا يوماً ما، وتمر به كثير من بلاد العالم اليوم، حالها كحالنا تماماً؛ فنحن في مرحلة التجاذب بين جيلين ولسنا بمنأى عمّا يحدث من حولنا في عصر العولمة الصعب.
# آخرون يرون أننا في أزمة، والأزمة في حقيقتها أزمة تربوية شاملة، وهي نتيجة طبيعية لضعف الأسرة عن القيام بدورها المنوط بها، فضلاً عن عجز منظومة مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تبني خطاب تربوي موحد ومؤثر، ولذا كان هناك من يعتنق الفكر المتطرف، وإن كانوا قلة ولله الحمد والمنة، فإن خطرهم كبير، وأثرهم السلبي في التنمية والأمن والاستقرار خطير، وآخرون يهربون من واقعهم المعيش، فيقعون حبيسي عالم المخدرات، والثالث... والرابع... والنتيجة النهائية خسارة وطنية لا تعوض.
# فريق ثالث يعتقد أن الأزمة أزمة ثقافة وفكر، موروث ثقافي لم يتزعزع عن ذهنياتنا، فنتج عنه عدم المبالاة وعدم الاكتراث بالتغيرات العالمية والتحولات والقفزات التنموية، ولا أدل على ذلك من أن ابن الصحراء ما إن ينتظم في سلك العاملين بشركة أرامكو حتى يصبح شخصاً آخر لا يرى بدًّا من الالتزام الحقيقي بالنظام وتقديس الوقت، والحرص على الإنجاز والبعد عن كل ما يؤثر سلباً في مسيرته الوظيفية، وهذا ابن التربية التي نقدح فيها قبل قليل، إلا أنه اكتسب ثقافة جديدة غيرت من نمط حياته وبدلت في قناعاته بشكل إيجابي، ولذلك فنحن أشد ما نكون حاجة إلى صياغة مشروع حضاري/ ثقافي يبنى على الدليل، ويراعي متغيرات الواقع، ويدرس البدائل بشكل علمي رصين.
# والسؤال الذي كرره سمو الأمير وأكده في ثنايا حديثه.. (وبعدين؟ هذا كلام نسمعه كثيراً، وكلنا يعرف طرفاً منه، ومع ذلك لم يتغير وضعنا بالشكل الذي نتطلع إليه وننتظره؛ فالأمراض الاجتماعية التي كنا نعاني منها في السنوات الماضية التي لم يكن لها وجود في حياة أجدادنا وآبائنا ما زالت هي هي، بل ربما تكون أشد، فكيف لنا أن نتغير بالشكل الذي يفي بمتطلبات العصر ويتوافق قبل هذا مع منهج الإسلام الصحيح وعقيدته السلفية الوسطية الصالحة لكل زمن ومكان؛ إذ هي القاعدة التي يقوم عليها بناؤنا الحضاري ومشروعنا الثقافي).
# أترك الإجابة عن هذا السؤال وما قيل حوله في ذلك المساء للقاء آخر مع واجب التفكير من قِبَل كل منا حيال ذلك؛ فهو في الأساس همّ الجميع، وقبل أن أودعكم أستأذنكم أن أزجي خالص الشكر وجزيل التقدير لسمو الأمير على سعة صدره، ورحابة نفسه، ودماثة خلقه، وفتحه المجال لمثل هذه الحوارات والنقاشات الثرية التي أعتقد أهميتها في هذه المرحلة الوطنية التي لا تخفى، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.