د.ثريا العريض
كل هلال جميل وواعد.. ولكن الهلال الذي ننتظره الآن أجمل، يعلن موسماً أكرم وعدا، وأنبل.
نقف على مشارف شهر رمضان الفضيل في انتظار الهلال الجميل.. فكل عام وأنتم والأخيار أحباب الله بخير.. ندعو الله أن يبلغنا بدءه وإتمام الأيام وحسن الصيام والقيام، ويغمرنا جميعاً بأجواء السلام.
يأتي في هذا العام اسماً على مسمى: رمضا مع حرارة الصيف، ورمضا مع التهاب الصراعات وتأجج الفتن بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الأمة الواحدة. والرمض شدة العطش فكلنا متعطش أن تصبح النيران المتأججة برداً وسلاماً بقدرته تعالى.
يأتي في أوج الصيف وقسوة الحر وملايين من أبناء الجوار يعانون معها قسوة مضاعفات الصراعات والحروب في أوطانهم، وغربة اللجوء هروباً إلى أراضي الآخرين، ومعاناة الخوف والحرمان من الأمان.
كل وطن عربي مشغول بجراحه وتصدعاته، وكل فرد مؤمن مشغول بمتطلبات حياته، ومع هذا من نعم الله أن يحتفظ وجدان البعض بحس شفاف وبشعور بالإنسانية.. لا ينسى أن يذكرنا جميعاً أن نمد أيدينا لمساعدة المتألمين.
* * *
لن أملأ فراغ الورق بما أن نلتزم به من عبادات ولا باستعادة الفتاوى عما يلغي الصيام من المفطرات.. فكل من يستطيع قراءة مقالي لا بد أنه صام عشرات المواسم، وأمسى عليماً بكل هذه التفاصيل منذ ابتدأ الصيام وهو في المرحلة الابتدائية من التعليم.. وإلا فما فائدة كل ما تعلمناه في سنوات الدراسة من التفاصيل حول ضرورات العبادة الصحيحة؟؛ ولن ألجأ للكتابة عن عادات الطعام السليم للصائمين، من الأصحاء ومن يعانون حالات صحية خاصة كالحوامل والمرضعات ومرضى السكر والقلب، فالأعلم مني بذلك هم الأطباء والطبيبات المتخصصون. وسأكتفي بالتذكير بعدم اختزال رمضان في ملذات الجسد والإغراق في الأكل والسهر والنوم، كي لا نخسر روحانية الشهر في دوامة الحرمان والإشباع.
ولن أتفضل على القراء بنصائح لخطباء المنابر بما يتناولونه في خطبهم أو أدعيتهم كي لا يكون فيها ولو عرضاً ما يلغي صيام أحد أو يعرض ولاءه أو فهمه لدوره للتساؤل. فقد قام أولي الأمر بتوضيح ذلك وأجزم أن كل الخطباء مطالبون ذاتياً ومهنياً بالالتزام بالتوجيهات.
* * *
إنما سأذكر من لا يتجاوز فهمه لرمضان أنه امتناع عن بعض المتع الجسدية من طعام وشراب وما أحل الله من العلاقات الزوجية، أن الصوم غير الصيام.
المطلوب بالصيام ليس فقط الامتناع عن بعض الأفعال الظاهرة بل أيضاً العمل بصدق على أن تكون المشاعر والنفوس طاهرة. فليكن دعاؤنا في رمضان بالخير والهداية للجميع. وليكن طلبنا أن يعم السلام أصقاع الأرض، والأمن والأمان كل أوطان البشر.
ليكن دعاؤنا لأنفسنا ليس الحصول على المزيد من الماديات التي مهما تراكمت فلن ترضي رغبات الجسد، بل الوصول إلى حالة نقاء روحي تخلو به النفوس من الحسد، والقلوب من الغل والعواطف من العقد.
اللهم هو شهر التقرب إليك فارحم كل من يقف خاشعاً بين يديك، وأرحنا بحكمتك من كل معتد أثيم ينسى أن الكون كونك والمشيئة والقدرة لك، يتناسى أن كل عبادك في حقوق الإنسانية سواء، وفي ضعف البشرية سواء، ويظن مخطئاً أن هناك ما يضمن البقاء.
الله كلنا في حاجة لتذكر تعليماتك للخروج من الشقاء.
في انتظار الهلال الجميل.. كل عام وأنتم جميعاً بخير.