أ. د.عثمان بن صالح العامر
هناك نوع من الإدارة يختلف عن جميع ما نعرفه من الأنماط والأشكال التي يتحدث عنها أهل الاختصاص في هذا العلم المهم، هذا النوع يحتاج أكثر من غيره إلى صبر ومصابرة، وتدرُّب ومجالدة، حتى يتمكن صاحبه من ضبط زمام النفس والفصل بين الخاص والعام، وتقدير المصالح والمفاسد، وتقديم ما هو أهم على المهم، والإثيار على النفس حرصاً على مصلحة أعلى.
# وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز من القلائل الذين يشهد لهم التاريخ بأنهم أنموذج رائع في القدرة على إدارة العواطف والتحكم بالمشاعر، والتصرف في المواقف بمنطق العقل الرصين والانتصار على النفس لا للنفس.
# قد تحتاج المشاعر إلى تحييد وربما إلى تغافل وتهميش وكأنه لا وجود لها، وأشدها وقعاً على الإنسان حين يصل الحال إلى وجوب الصرامة، مع ما يختلج بقلبه ويحرك مشاعره، بالقمع والاجتثاث من الجذور .
# تاريخ سلمان بن عبد العزيز في إدارته لعواطفه وتحكمه بمشاعره، يستوقفنا عند كثير من المحطات التي تتراوح بين الفقد للابن والأخ والأخت والزوجة والصديق، إلى ما قد يصل إليه من كلام لا أصل له وليس عليه دليل، وبين هذا وذاك مسافات ومساحات لا تخفى .
# شخصياً توقفت ليلة الجمعة الماضية أتأمل في حال سلمان بن عبد العزيز هذا اليوم، وهو من هو في عظم مسؤولياته وكثرة همومه وتقدم عمره وتعدد مشاغله و...، يغادر جدة للعاصمة الرياض، ليصلي على أخته الجوهرة بنت عبد العزيز آل سعود - رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته -، ثم يقف على قبرها مودعاً لها وداعياً الرب سبحانه بأن يثبتها عند السؤال، وينور لها قبرها، ويفسح لها فيه . وما أن يُعزى بأخته حتى يعود مرة أخرى إلى جدة ليرعى المباراة النهائية على كأس الملك، ويتشرف محبوه وأبناء شعبه باللقاء به والظفر برؤيته والسمر بحضرته حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً تقريباً .
# لقد امتلك سلمان بن عبد العزيز القدرة الفائقة على إدارة ذاته، ومنحه الله الصبر على أقدار الله المؤلمة، فصار رمزاً في الجلَد والمثابرة، والصبر والمصابرة، والرضا بالقضاء خيره وشره، وأعطى - أدامه الله - في ذلك المساء كما هو حاله دائماً في مثل هذه المواقف الصعبة، أعطى لكل متابع لبيب درساً في الوفاء بمتطلبات المكان الذي يشغله أيٌّ منا في منظومة العمل الرسمي، مهما كانت ظروفه الشخصية المحيطة به .
# أعرف أنّ الفصل التام بين الشخصي والوظيفي - وهذا الدرس ينتظم في هذا الباب الواسع والهام - أمر صعب جداً، بل ربما يكون في حكم المستحيل، خاصة في البيئات الصغيرة والمجتمعات المترابطة المتشكلة من عوائل ممتدة ومتداخلة، إلا أنّ الأمر - لما له من أهمية - يحتاج إلى بذل جهد وتدريب وتعوُّد، مع الصبر والمصابرة، وتحمل ما يقال، وامتلاك لرباطة الجأش وحسن الاعتذار وطيب القول، وعدم اعتماد التقصير وبذل الجهد في المساعدة قدر المستطاع، دون إخلال بمتطلبات الوظيفة، أو طغيانه الشخصي على ما هو حق عام.
# إنّ القدرة على النفس، وتغيير الطبع الذي جبل عليه المرء، وضبط ردات الفعل، ليس بالأمر الهيّن، ولن ينجح الواحد منا في هذا لو لم يكن له من الله عون، ولديه معرفة واطلاع، وخضع للتدريب والمران، ومن باب المعرفة قراءة سير الكبار والتأمل في مواقفهم، كما هو حالنا اليوم مع قائد مسيرتنا وولي أمرنا سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، والسلام.