د. عبدالواحد الحميد
بشرنا مدير الأمن العام الفريق عثمان المحرج بأن الخطة الاستراتيجية المرورية الجديدة سوف تُحْدِث أثراً إيجابياً ملموساً في مجال السلامة المرورية. هذه الاستراتيجية الجديدة، حسب ما نشرت «الجزيرة» على لسان مدير الأمن العام، تهدف ضمن أشياء أخر إلى «تحسين سلوك سائقي المركبات على الطريق». لكن المشكلة أن هذه الاستراتيجية قد تصطدم بالعقبات المالية فهي تتطلب لتنفيذها ميزانية تقدر بحوالي 26 مليار ريال خلال السنوات العشر القادمة، وفق ما ورد في الخبر.
أعتقد أن توفير السلامة المروية وتحسين سلوك سائقي المركبات يستحق أن ترصد له أضعاف هذا الرقم إذا تبين أن الاستراتيجية الجديدة تتطلب ذلك لأن الوضع المروري في مدن وقرى المملكة ليست على ما يرام!
وبحسب ما ذكره الفريق المحرج في الاجتماع الأول للجنة العليا للسلامة المرورية في مقر الأمن العام بجدة منذ أيام فإن الخطة التنفيذية المفصلة للاستراتيجية تحتوي على مشروعات تصل إلى سبعين مشروعاً تسعى جميعها إلى تحقيق السلامة المرورية المنشودة، وهو ما يتطلب هذه الميزانية الكبيرة فضلاً عن تعاون ومشاركة أجهزة حكومية أخرى.
أرجو أن تتمكن الجهات المنوط بها تنفيذ الاستراتيجية من تدبير التمويل اللازم على امتداد السنوات العشر القادمة، لكنني أتصور أن المرور يمكن أن يحقق الكثير من الأهداف الاستراتيجية وبخاصة ما يتعلق بتحسين سلوك قائدي المركبات دون الحاجة إلى هذه الميزانية المليارية. فمع كل التقدير والاحترام للمسؤولين في الأمن العام ولجهاز المرور، الذين هم أصحاب التجربة والخبرة، فإن بعض الحلول السريعة وغير المكلفة والتي لا ترهق ميزانية الدولة على الإطلاق متاحة وتتمثل في فرض غرامات باهظة ورادعة على المخالفين وعقوبات بالسجن وما هو أكثر من السجن على المستهترين بأرواح الناس من قاطعي الإشارات والمفحطين ومن يخالفون اتجاه السير وغير ذلك من المخالفات العبثية التي لا علاج لمرتكبيها إلا بالعقوبات الصارمة جداً.
إن حصيلة هذه المخالفات سوف تحقق لمالية الدولة مليارات الريالات ليس خلال عشر سنوات قادمة بل خلال مدة أقصر من ذلك بكثير. وسوف يمكن من خلالها ليس فقط تحقيق السلامة المرورية وإنما أيضا توظيف الآلاف من المواطنين السعوديين في جهاز المرور دون تكاليف على الدولة لأن المتحصل من الغرامات سوف يكون أكبر من رواتب واستحقاقات الموظفين الجدد، بشرط أن تُرصَد عائدات الغرامات لحساب المرور وليس للمالية حسب نظرية الوعاء المالي الواحد.
لقد سبق أن كتبت واصفاً الوضع المروري في مدن وقرى المملكة أنه أصبح يمثل كارثة وطنية رغم جهود رجال المرور. فالوضع المروري لم يعد يطاق وشوارعنا أصبحت أشبه بالغابة وأصبحنا نقود سياراتنا بأيدٍ مرتعشة وبقلوب يملؤها الخوف من هول ما يصادفنا من مخالفات عابثة في الطريق.
نحن نرفع أصواتنا بالتأييد المطلق لتمويل متطلبات الاستراتيجية المرورية الجديدة مهما بلغ حجم الميزانية المطلوبة، لكننا نأمل من الأمن العام وجهاز المرور استخدام المتاح من أدوات لإنقاذنا فقد بلغ السيل الزبى. وقد لا يكون سن القوانين المطلوبة هو من اختصاص جهاز المرور وإنما من اختصاص أجهزة تنظيمية أخرى في الدولة، لكن المرور يظل هو الجهة التنفيذية ذات العلاقة وعليه المبادرة والمطالبة والمتابعة حتى يحصل على الأدوات التي تمكنه من تنفيذ عمله على الوجه المأمول.