د. أحمد الفراج
ذات مساء، كنت أستمع إلى لقاء تلفزيوني مع الرئيس باراك أوباما، وهو اللقاء الذي أغدق من خلاله كلمات الإطراء على نظام طهران، وقال إنه متفائل بتوقيع الاتفاق النووي النهائي، ومتأكّد من أن ذلك سيجلب الأمن والسلام إلى هذه المنطقة المضطربة من العالم، وبعد ذلك مباشرة، غيّرت القناة التلفزيونية، وإذا بي أشاهد المرشد الأعلى، علي خاميني يلقي كلمة، وفوق رأسه لافتة كبيرة، كتب عليها: «لبيك يا حسين»، وخيّل لي لعدة دقائق أن خاميني كان يرد على أوباما!!، ويتفق معه بالقول، ومن ذا الذي يصدق كل ما يُقال عن العداء الأمريكي- الإيراني، فلعلكم تعودون بالذاكرة إلى أيام الرئيس رونالد ريجان، والعقيد أوليفر نورث، وقبل ذلك ملابسات عودة الخميني إلى طهران من منفاه الباريسي، وهي أحداث ربما تكشف الكثير عن العلاقة المعقدة، التي تربط إيران بالعالم الغربي عموماً، وأمريكا على وجه الخصوص.
في السياسة، وبالذات عند الأمريكيين، لا يوجد مشاعر، بل مصالح، خصوصاً بعدما جرى للرئيس المصري حسني مبارك، والذي بيع بثمن بخس، بين عشية وضحاها. هذا، مع أنه ذات الرجل الذي كانت وسائل الإعلام الأمريكية، وساستها يتحدثون عنه كواحد من أفضل وأقرب الحلفاء لواشنطن، ولا يمكن أن يغيب عن الذهن ذلك الوهج والحضور اللافت لمبارك في وسائل إعلام أمريكا، أثناء حرب تحرير الكويت، وقبلها، وكذلك دوره المحوري في كثير من قضايا الشرق الأوسط إلى ما قبل تنحيته من قبل الجيش المصري، بعد التصريح الأوبامي الصاعق: «على مبارك أن يرحل اليوم.. وليس غداً!!»، وذات «البيع الرخيص من واشنطن لحلفائها حصل مع شاه إيران، وماركوس الفلبين، ونورييجا بنما، وغيرهم على مر التاريخ السياسي الأمريكي!!
باراك أوباما لا يتخذ سياسات منفردة، والنظام الأمريكي نظام مؤسساتي، والسياسات الأمريكية تتبدل تبعاً للمصلحة، وفيما يتعلّق بإيران، فمن الواضح أن الهوى الأمريكي معها الآن، وزاد على ذلك حرص أوباما على تسجيل إنجاز تاريخي يسجّل باسمه، وفرصته هي الاتفاق النووي الإيراني، إذ سيكون ذلك إنجازاً كبيراً، ولعلنا نذكر حرص الرئيس بيل كلينتون على إنجاز اتفاق تاريخي بين إسرائيل وفلسطين، في آخر فترته الرئاسية الثانية، وهو الإنجاز الذي لم يتم، فهل، يا ترى، سينجح الاتفاق النووي، أم سيكون مصيره مثل اتفاق إسرائيل وفلسطين؟!، وعلى أي حال، فإن الدلائل كلها تشير إلى حرص الطرفين الأمريكي والإيراني على إنجاز الاتفاق، ولا تغرنّكم مناورات الساسة، وتصريحاتهم الإعلامية، فما يجري في الغرف المغلقة شيء مختلف تماماً، تحكيه دوماً سلوكيات كيري وظريف، وكأني بخاميني سمع هاتف أوباما الحريص على الاتفاق النووي، فرد على الفور: «لبيك يا باراك حسين»، وعندما أدرك أنه بين أنصاره في طهران، استدرك وقال: «لبيك يا حسين!!».