د. محمد عبدالله الخازم
« إن كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه، ولن تتوقف جهودنا يوماً عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم».
بعد هذا الخطاب الواضح من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والموجه بشكل مباشر للرجل الأول المعني بالجانب الأمني، سمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، لا يساورنا الشك بأن الدولة جادة في مواجهة المتسبب في حادثة تفجير القديح. و أنها ترفض الإرهاب بكافة أشكاله وأياً كان مصدره و ليس هناك تفريق بين أبناء الوطن. بل أن هذه الرسالة جاءت بعد أيام قليلة من خطاب الملك الذي أشار فيه إلى تساوي أبناء الوطن في الحقوق والواجبات، ولا تفريق بين منطقة وأخرى.
ربما قيل الكثير في منبع الفكر المتسبب في تفريخ النهج الإرهابي اللا إنساني الذي يتبعه هولاء المهووسون بقتل الأبرياء لأغراض ليس يتضح منها سوى الرغبة في إثارة الفتنة وزعزعة الأمن وربما الإنتقام - كما يتصورون- من الأعداء. وبالطبع هم لا يستطيعون تحديد الأعداء ولا يستطيعون مواجهتهم وبالتالي فإنهم يركزون على أعمال يستهدف فيها الأمنون بطرق غادرة، كما يحدث في تفجير المساجد وأماكن التجمعات البشرية الطبيعية وحراسات المؤسسات المدنية وغير ذلك.
السؤال الرئيس الذي كتب عنه الكثيرون، ليس في الجانب الأمني المباشر، فهذا أمره ميسور بشكل كبير، ولكن في الجانب الفكري. كيف يمكن فهم الفكر الذي ينطلق منه هؤلاء الناقمون حد التبرع بقتل أنفسهم وقتل الآخرين؟
القول السائد ركز على المحرضين من المتشددين المذهبيين، بل إن البعض يذهب إلى تسمية أشخاص بذاتهم كمحرضين للفتنة والكراهية والعنف المذهبي. وربما كان ذلك صحيحاً، لكنني سأسأل عن الجانب العلمي البحثي الأكاديمي التطبيقي، أين هو في فهم الظاهرة الإرهابية في بلادنا؟
تغص جامعاتنا بأساتذة الاجتماع وعلم النفس والعلوم الإنسانية والتربوية، وتبلغ مخرجات جامعاتنا في هذه المجالات أكثر من نصف مخرجاتها، فأين هم من هذه الظواهر؟ لست أراهم سوى مرددين لكلام العوام وأنصاف المثقفين ومجيدي صنعة الخطابة والدعوة وفق أساليب سطحية لم تصل إلى العمق في تحليل الظاهرة. لدينا 26 إرهابي تم القبض عليهم في الخلية الأخيرة وقبلهم عشرات تم القبض عليهم أو الاكتواء بأفعالهم الإرهابية. فهل تم تحليل سلوكياتهم ودوافعهم ومشاكلهم النفسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية؟ هل وصلنا إلى ما يسمى (بالبروفايل) لهذه الشخصيات المضطربة، مجتمعة ومنفردة؟ بعد كل سنوات الخبرة مع هولاء الإرهابيين أو المرضى النفسيين أو المعطوبين أو الحاقدين، أو سمهم ماشئت، هل وصلنا إلى المرحلة التي نستطيع من خلالها التعرف على أنماطهم والتعامل معها قبل وصولها حد الهاوية بالتوجه للتدمير والتفجير؟
لست هنا أمنح العذر لهؤلاء الشباب الذين امتهنوا لغة العنف والتفجير والتخريب كوسيلة تعبير، لكنني أعتقد أن كثيراً منهم يعانون اضطرابات سلوكية واجتماعية وثقافية، تحتاج أساليب علمية مقننة لفهمها ومن ثم علاجها. النصح وحده ليس كافياً ولم تكن نتائجه كاملة في حالات سابقة، لأنه لم يسبقه تحليل علمي عميق للسلوكيات والدوافع. ولست أدري هل عجزنا في فعل ذلك مرده فشل أساتذتنا والمتخصصين في هذه المجالات، أم أنه فشل البيئة المناسبة لهكذا عمل علمي متميز؟
أتمنى أن نتجاوز مرحلة الانفعال وردود الفعل الآنية مع هذه الأفعال الإرهابية بالتأسيس لمنهج علمي متقدم لفهم الظاهرة ودوافعها وآلية علاجها. جربنا الخطابة والنصح (الثيولوجي) كثيراً، فلم لا نمنح الفرصة للعلم الحديث لمساعدتنا على فهم الظواهر السلوكية والاجتماعية والثقافية التي تواجهنا؟ استعنا بالأطباء والمهندسين وغيرهم لمساعدتنا في أعمالنا، فلم لا نستعين بالعلماء ومراكز البحث العالمية لمساعدتنا في هذا الشأن، طالما أساتذتنا عاجزون على سبر أغوارها بالشكل المرض؟