د. محمد عبدالله العوين
إما أن نصحو وإلا والله فالكارثة!
إما أن نعيد النظر في مسيرتنا التعليمية والإعلامية ومناشطنا الدينية ونتأمل جوانب النقص أو الضعف أو الاختراق فيها ونصلحها؛ أو تستمر قوافل الضحايا من شبابنا تتمزق في العمليات الانتحارية المتوالية وتمزق مجتمعنا كذلك!
إما أن نعترف بأن أداءنا في الجوانب المذكورة آنفا ناقص أو ضعيف أو غير منضبط أو مدخول أو مختطف؛ وإلا أتحنا الفرص جاهزة للمتربص المنتظر ليسرق منا مزيدا من شبابنا الغض ويلقي بهم في المحارق وأتون اللهب في الداخل وفي كل البقاع المشتعلة بالصراعات!
إما أن نعترف بأن لدينا خللا إداريا وقياديا في الإدارة التعليمية والإعلامية والدينية وإلا فسنفقد يوما إثر يوم أضعاف ما فقدناه وما تجرعناه من ويلات وآلام الإرهاب تحت غطاء ديني منحرف ومزيف، لم يجد بعد من علماء الدين من يفنده ويكشف سوءاته ويسقط مقولاته ويفضح عواره على رؤوس الأشهاد؛ فلا زال الخطاب الديني كسولا يحاذر المواجهة ويصد عن المبارزة، مع أنه يملك الأدلة ويقف على الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ولا أمتا، مما دل عليه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وسلك عليه سلف هذه الأمة وأخيارها.
أطفالنا -أيها الأهل والأحباب- يتخطفهم الفكر الإجرامي، يتربص بهم في المنتديات ومواقع التواصل والاستراحات والمخيمات والرحلات والنشاط اللاصفي والجمعيات المدرسية وغيرها مما يمكن أن يجتمع فيه حشد من المراهقين القابلين للتحول وللانقياد إلى حملة الفكر الأسود المتخفي المتبرقع بدعاوى الصلاح والتقوى والاستقامة الذاتية ومشاركة المسلمين همومهم في أي مكان من العالم وإقامة المجتمع المسلم والمحافظة عليه من الذوبان في المجتمعات الأخرى غير المسلمة، ونحو ذلك مما يلامس هوى وارتياحا في وجدان الشاب اليافع الذي يناهز الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، وهو الذي نشأ في محضن إسلامي وترعرع في بيئة محافظة هيأته للتفاعل مع أية أفكار تعزف على وتر الإصلاح والاستقامة واستعادة مجد الأمة، ثم يزيد المستقطب فورة هذه المشاعر بصور ترهيبية عن الذنوب والآثام التي سيحاسب عنها الشاب إن لم يستجب لما يجب عليه أن يفعله لإنقاذ الأمة بانضوائه في ركب المجاهدين، وعندها يصل المستقطب إلى الغاية البعيدة التي يريدها؛ وهي إضافة رقم أو أرقام جديدة لخلايا الفكر الإرهابي الذي ينفذ أجندة تكفيرية تبدأ من الحاكم نزولا إلى العلماء والوزراء والمسؤولين في الدولة ورجال الأمن والكتاب والمثقفين وحتى عوام الناس وبسطائهم إن لم يستجيبوا لدعاوى التكفير.
يلقن الشاب المراهق أنه هو المسلم الوحيد وأن مجتمعه ضال يجب أن يعود إلى حظيرة الإسلام؛ فهو -وفق رؤيتهم- بين كافر أو مرتد، لا استثناء فيه لطائفة دون أخرى، ولا لملتزم بقيم الدين أو غيره ممن أسرفوا على أنفسهم!
أطفالنا وشبابنا يسرقون منا!
صاروا ألعوبة في أيدي مجاهيل لا يعلمونهم، يتخاطبون مع أشباح ورموز وألقاب وهويات مزورة، ويتلقون تعليمات من أشخاص لا يعلمون عنهم شيئا، ولا يدركون مراميهم البعيدة، ولا يحيطون بغاياتهم الهادفة إلى تقويض بنيان الأمة وهدمه من أساسه؛ بإثارة الفتن وإشعال الحروب وتفريق الصفوف وزرع الكراهية بين الناس من أبناء أي وطن على اختلاف طوائفهم وتعدد مشاربهم، فالكل عدو للكل، والكل يكفر الكل، والوحيد الصالح المخول بإطلاق الأحكام وتنفيذها هو من أخذت له البيعة على كل الرقاب.
من هم اللصوص الذين تسللوا إلى بيوتنا واختطفوا منا أبناءنا وزرعوا فيهم كراهية المجتمع كله، ولقنوهم أن عداوتهم له عبادة وأن براءتهم منه إيمان، وأفتوهم بالتقرب إلى الله بتكفير الأب والأم والأخ والعم، والبدء بقتلهم قبل غيرهم؟!
كيف أصبح فلذاتنا الذين تسللوا إلى الحياة من أمشاجنا أعداء لنا وهم في بيوتنا بيننا ويتناولون اللقمة معنا؟!
من سرق منا أبناءنا وقلبَهم أعداء لنا؟!
هل نحن في غفلة عما يجري حولنا ولن نصحو إلا بعد أن يكون أحد أبنائنا نائما في مخدعه بيننا ينتظر الفرصة للتقرب إلى الله بأبويه؟!