محمد سليمان العنقري
أظهرت إحصاءات وزارة العدل للصفقات العقارية لشهر أبريل الماضي تراجعا كبيرا مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي من حيث المساحة والقيمة ففي القطاع السكني بلغت قيمة الصفقات 4.3 مليار ريال مقارنة مع 6.3 مليار للشهر الموازي من عام 2014 بتراجع 32 % أما من حيث المساحات فقد بلغت مليار متر مربع مقارنة مع 4.1 مليار أي بتراجع 74 % أما بالقطاع التجاري فتراجعت قيمة الصفقات من 5.5 مليار ريال إلى 3.9 مليار بنسبة 29 % أما المساحات فتم بيع 3.2 مليار متر مربع مقارنة مع 7.5 مليار أي بتراجع 57 % .
أما على صعيد حجم الصفقات منذ بداية العام الهجري الحالي ولفترة السبعة أشهر الأولى فقد بلغت نسبة التراجع 15 % بقيمة الصفقات، فمن المعروف أن التراجعات بأي نشاط سواء بحجم الكميات أو قيمها لشهور متتالية وربعين على الأقل ينظر له على أنه ركود ولكن حتى يتم تشخيصه هل هو إنذار ببداية تصحيح طويل الأمد أم هي مرحلة مؤقتة ولكل سيناريو أسباب ومعطيات تحدد مدى دقته.
فالقطاع العقاري رغم أنه يعتبر من أكبر الأنشطة بالاقتصاد من حيث السيولة إلا أنه يعتريه الخلل بتوزيعها فجل التعاملات هي على تجارة الأراضي بينما ينظر لصحية القطاع لو كانت التعاملات غالبها على تداول المنتجات من الوحدات السكنية والمنتجات التجارية لأن البناء والتشييد عموما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي بالاستثمار والنشاط بمختلف القطاعات مع توليد لفرص وظيفية بمعدلات عالية وهو ما لا يظهر حاليا حيث ما زال الإنفاق الحكومي على مشاريعها هو المؤثر الأكبر على النمو الاقتصادي يقابله استمرار لضعف نسب التملك السكني عموما.
لكن النظر لأسباب تراجع الصفقات العقارية كما وقيمة يفتح الآفاق على توقعات توجهات السوق العقارية ففي البداية جاء قرار فتح السوق المالية للاستثمار الأجنبي المباشر الذي صدر في شهر رمضان الماضي حيث سيبدأ تطبيقه فعليا في 15/6 من عام 2015 م أي بعد حوالي 20 يوما ليشكل تحولا مهما بتوجهات الاستثمار بالاقتصاد المحلي ورغم التقلبات الحادة بالسوق المالي خلال الفترة الماضية إلا أن إدراج المزيد من الشركات وصدور أنظمة ولوائح ترفع من كفاءة السوق مع السعي لنشاط أعلى بسوق الصكوك والتوقع بأن يصبح السوق المالي وجهة مهمة لاستثمارات مؤسساتية عالمية كان له أثر مهم بإعادة استراتيجيات الاستثمار بالسوق ستظهر تدريجيا خلال المراحل المقبلة مما قد لا يكون ملموسا للكثيرين حاليا لكنه بالتأكيد يبقى سببا سيدفع توجهات السيولة التي تبحث عن الاستقرار الطويل الأمد للسوق المالية بنسبة أعلى من السابق وهذا ما سيؤثر إجمالا على توزيعها بالاستثمار بالاقتصاد لتقل عن قطاعات كانت تستحوذ على أعلى النسب فيها وعلى رأسها العقار.
أما السبب الأهم فهو يتمثل بتغييرات مفصلية بطرق التعامل مع الاستثمار والنشاط العقاري والتي بنيت على توقع بفرض رسوم على الأراضي البيضاء وهو ما تحقق بصدور قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على توصية مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية قبل شهور قليلة وقد يكون استشعار المستثمرين بالقطاع العقاري إلى أن الرسوم قادمة وهو ما حدث فعليا له دور بتراجع حجم الصفقات والذي بدأ يزداد بعد صدور القرار ليكون شهر أبريل الماضي معبرا عن ذلك بشكل جلي إذ سينتظر السوق اللائحة التنظيمية والتنفيذية لنظام رسوم الأراضي حتى يستطيع التجار تقدير آثارها والتعامل مع المرحلة القادمة بمعطياتها الجديدة.
كما أن التوجه العام نحو الإسراع بحلول عملية لحل مشكلة السكن من قبل الحكومة له أثر بارز فدعم تطوير مخططات المنح بإيصال الخدمات بميزانيات خصصت لهذا الغرض منها 20 مليار ريال لخدمات الكهرباء والمياه سيرفع من معروض الأراضي مستقبلا وقد يكون خلال فترة قصيرة نسبيا مع التنوع بمنتجات الصندوق العقاري التي أقرت مؤخرا فكل هذه المعطيات أدت حتى لتراجع الطلب على التمويل العقاري من الممولين المرخصين بالقطاع الخاص خصوصا أن لائحة التمويل حددت حجمه بما لايزيد عن 70 % من قيمة العقار وفقا لحسابات المخاطر بالدرجة الأولى من قبل الجهة المنظمة مؤسسة النقد.
ومن المؤكد فإن كل هذه المعطيات مع توقعات بصدور أنظمة تتيح اعتماد المخططات العقارية خلال فترة قصيرة كما أعلن على لسان وزير الإسكان المكلف قبل فترة ستعيد هيكلة القطاع العقاري وتغير من أسلوب الاستثمار فيه ليكون مرتكزا على المنتجات السكنية بالمقام الأول وبعيدا عن حالة المتاجرة والمضاربات على الأراضي ولذلك دور كبير كما يتضح بتراجع الصفقات إذ لا يمكن لأحد أن يسكن ببيت تحت الترميم وبمقارنة بسيطة بين سيناريوهين محتملين فإن الاتجاه لتصحيح الأسعار خصوصا بالأراضي له مبررات عديدة منها زيادة العرض مستقبلا وعدم قدرة المستفيدين على الشراء بسبب ارتفاع الأسعار حاليا وهذا ما يوضحه عدد من صدرت لهم موافقات قروض الصندوق العقاري منذ سنوات ولم يستفيدوا منها بسبب غلاء العقارات حيث تجاوز عددهم 120 ألف مواطن أما السيناريو الآخر الذي يرى أن التراجع بالصفقات مرحلة مؤقتة فيشوبه الكثير من الضبابية كون بقاء الأسعار مرتفعة لن يوسع من حجم السوق بمعطياته السابقة ودليل ذلك التريث من قبل الكثيرين بالشراء بالإضافة إلى أن الأنظمة والاتجاهات العامة تميل بقوة لحل مشكلة السكن وفق ضوابط تنشط السوق لكن بأسعار بمتناول شرائح عديدة بالمجتمع من حيث الدخل وهو ما يعكسه تعدد الحلول التي يتوقع لها أن تثمر خلال العام الحالي والقادم.
تراجع الصفقات العقارية يدلل على أن المرحلة القادمة ستختلف معطياتها بحجم وتدفق السيولة للعقار فقد ترتفع أحجام الصفقات لكنها ستتركز على تملك السكن وبأسعار مناسبة مما يعني أن الانخفاض بالأسعار هو الاحتمال الأكبر كي يستفيد المطور وكذلك المستفيد النهائي الأسرة والفرد وتحل مشكلة السكن المؤرقة بالاقتصاد المحلي فالمهم هو أن يزداد تأثير النشاط العقاري بالاقتصاد لكن بمعطيات ونتائج مفيدة للجميع ولن يتحقق ذلك إلا بتصحيح منطقي للأسعار وتحفيز على تحويل الأراضي لمنتجات وتوسع بأساليب التمويل لا ترهق الأسر السعودية لتتمكن من تملك السكن الخاص بها كهدف رسمي معلن.