د.علي القرني
منذ اندماج وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة جديدة هي وزارة التعليم وتعيين الدكتور عزام الدخيل وزيرا للوزارتين، وهناك الكثير من الكتابات والحوارات والنقاشات في وسائل الإعلام والكثير من ردود الأفعال في شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من الصحف الإلكترونية والمنتديات ومخرجات الإنترنت عن موضوع الوزارتين.
ويكاد الكثير يجمع بثقل المهمة وصعوبة التحدي نظرا للثقل الكبير الذي كانت تحتله كل وزارة قبل الدمج. وهناك تفاؤل للبعض ولكن البعض لا يزال متشائما..
وفي نظري أنه ليس مهما أن نفكر في الدمج أو الانفصال، فالأهم هو أن نرى ما يسير من قرارات وتوجهات وسياسات في مساري التعليم العام والتعليم العالي، وهنا يمكن الحكم. فوجود شخصية واحدة على رأس الوزارتين لا يعد حدثا جديدا في واقع العمل القيادي التنفيذي، فهناك أشخاص يديرون حكومات وليس فقط وزارتين أو ثلاث، بمعني ان المهم في العملية ان نتساءل ماذا تم بعد مائة يوم من هذه الخطوة الجريئة التي تم فيها دمج الوزارتين؟
ونظرا لتعقيدات وتفاصيل كثيرة وتعددية المسارات التي يتسم بها عمل التعليم العام والتعليم العالي، ونظرا للطموحات المتنامية التي ينادي بها الرأي العام في مجتمعنا سواء رأي خبراء واختصاص أو رأي شعبي، فإن إدارة عمل وشؤون وزارة التعليم تحتاج بادئ ذي بدء إعطاء صلاحيات واسعة لمن يقع في قيادة كلا المسارين، ولا يمكن أن يعمل شخص واحد كوزير التعليم على إدارة كل شيء في هاتين الوزارتين، وإلا فإنه يحتاج أن يكون برنامجه اليومي ثماني وأربعين ساعة. فهو يحتاج فعلا أن يمنح الصلاحيات الواسعة لمن يقع في رأس هرم المسارين التعليم العام والتعليم العالي.
وسبق أن كتبنا أن القيادة الناجحة في أي مكان هي في إدارة السياسات والإستراتيجيات العام للجهة التي تشرف عليها، وينبغي ترك الإدارة التنفيذية لأشخاص آخرين، وكنت قد ذكرت ذلك على وجه الخصوص على مستوى الجامعات، فكثير من مديري الجامعات ينشغلون كثيرا في الإدارة التنفيذية للجامعة مما يأتي على حساب التوجه نحو الإدارة الإستراتيجية للجامعة، وهذا أنشأ مركزية كبرى داخل كل جامعة، ونفس الشي قلناه عن الوزارات والهيئات وغيرها.. ولهذا فنحن نعيد ما سبق أن قلناه على موضوع وزارة التعليم، فمعالي زميلنا الدكتور عزام الدخيل يحتاج أن يكون تركيزه على الإدارة الإستراتيجية للوزارة وليس الإدارة التنفيذية للوزارتين. وفي نظري أن مقياس نجاح أي أو وزير أو مدير لجامعة أو إدارة هو في عدد المعاملات التي يوقعها في الأسبوع الأول عند استلامه لوزارته أو جامعته، ومقارنتها بعدد الأوراق التي يوقعها بعد عام أو أربعة أعوام، فإن زادت فيعني أن هذه القيادة قد خلقت مزيدا من البيروقراطية والمركزية داخل تلك المؤسسة، وأن نقصت كثيرا فهذا يعد له نجاحا كبيرا، ويعني كذلك أنه فوض الصلاحيات بطريقة رشيدة وتفرغ هو لما نسميه الإدارة الإستراتيجية للمؤسسة.
وكثير من القيادات الوزارية في الدولة للأسف تأخذ منحى المركزية في العمل، وهذا يثقلها كثيرا ويحجب عنها العمل الإستراتيجي لعمل الوزارة أو المؤسسة، ويصبح عمل الوزير أو المدير أو الرئيس يتمثل في «إطفاء حريق» المشاكل اليومية التي تنشأ من طبيعة عمل الجهة التي يشرف عليها، والمفترض أن عمل الوزير هو أن يفكر إستراتيجيا وليس تنفيذيا. ولو حصر نفسه في الإدارة التنفيذية لكان دوره فقط هو تسيير الأمور ليس إلا.
إن مجلس الوزراء أو مجلس الشئون الاقتصادية والتنموية يحتاج أن يضع قواعد إرشادية لعمل الوزراء في الدولة، وهي قواعد تساعد الوزراء والقياديين في الدولة على إدارة مؤسساتهم بأفضل طريقة وأنجح وسيلة. فالوزارء ليسوا مدراء عموم في وزاراتهم، ولكنهم مسئولون عن نقل عمل الوزارة ووظائفها وسياساتها وبرامجها إلى نقلات نوعية تؤسس لمؤسسات حديثة وعصرية في العهد الجديد للملك سلمان بن عبدالعزيز ، وهذا ما يتطلع إليه في إدارة تعمل بمقاس الإنجاز وليس بمقياس تسيير الأمور. وأي وزير يرى أن عمله هو تسيير الأمور فهو مخطئ جدا في ظل التوجهات الجديدة في الدولة.
واذا عدنا لوزارة التعليم فإن العمل الأهم لوزيرها هو إدارة استراتيجية التعليم وليس الإدارة التنفيذية (اليومية) للتعليم. وفي الوزارة أو غيرها من الوزارات تحتاج هذه الخطوة إلى تفويض الصلاحيات الكاملة لأشخاص سواء كانوا نوابا أو وكلاء أو مديرين أو غيرهم للإشراف التنفيذي اليومي، مما يساعد الوزير أو من في حكمه في التركيز على الفكر والمسئولية الإستراتيجية للوزارة أو الجامعة أو غيرها من أجهزة الدولة.