د.علي القرني
من الواضح أن الجدل الحالي في الأوساط الأكاديمية والإعلامية وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي يدور حول أحقية إحالة قضايا السرقات والتحايلات العلمية إلى نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية أم إلى وزارة الثقافة والإعلام أو ربما تتأسس محاكم أو لجان علمية في
وزارة التعليم أو حتى في الجامعات. وهناك لغط كبير في هذا الجانب، حيث هناك أنظمة متعددة يمكن أن تكون هي المرجعية لمثل هذه الحالات التي توضح أو تعلن عن سرقات علمية..
فنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية يشير في المادة الثالثة الفقرة الخامسة إلى «التشهير» وهو ما سبب إرباكا كبيرا في الوسط الإعلامي والاتصالي بمفهومه التقليدي والالكتروني، ونصت تلك الفقرة على التالي: « التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة» ويعاقب عليها بالسجن مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.
والسؤال المحوري في هذا الجدل هو هل الإحالة إلى نظام مكافحة جرائم المعلوماتية هو المناسب في هكذا حالات؟ فهناك ملابسات وخلط في إحالة قضايا السرقات العلمية إلى هذا النظام، ويكاد يكون هناك إجماع على عدم اختصاص النظام بمثل هذه الحالات عدا محامي الأشخاص الذين كشفت شبكات التواصل الاجتماعي من خلال أشخاص أو هاشتاقات متخصصة عن سرقاتهم، فيحاول أن يدفع هؤلاء المحامون بهذه القضايا إلى نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. وفيما يلي توضيح لتداخل أنظمة أخرى ومفاهيم جديدة في مثل هذه القضايا.
بات من الواضح أن اختصاص وزارة الثقافة والإعلام يشمل كل ما يرد في الفضاء الإعلامي والاتصالي، بدليل أنها المرجعية الإدارية والقانونية لكل ما يتعلق بالنشر في المملكة سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو عبر الانترنت من صحف اليكترونية وشبكات تواصل اجتماعي وغيرها. وبناء عليه أصبحت وزارة الثقافة والإعلام هي جهة الاختصاص بناء على أنظمة وأوامر ملكية:
1 - نظام المطبوعات والنشر يشير إلى تشكيل لجنة للبت في قضايا مخالفات النشر، مما يعني أن الوزارة هي الجهة المعنية بمثل هذه القضايا سواء كانت صحافية أو إعلامية أو اليكترونية.
2 - أشار الأمر الملكي رقم 1-93 بتاريخ 25-5-1432هـ تعديل بعض المواد في نظام المطبوعات ونص التعديل كما يلي: «يقتصر النظر في القضايا الإعلامية على اللجنتين الابتدائية والاستثنائية المشكلتين بموجب نظام المطبوعات والنشر، ولا يعتد بأي قرار أو حكم يصدر بالمخالفة لذلك من أي جهة كانت»، مما يعني أن أي جهة أخرى خارج الوزارة يتم استبعادها من تناول القضايا الإعلامية.
3 - موافقة الأمر السامي على مقترح لجنة وزارتي الثقافة والإعلام والعدل والقاضي بعدم نظر المحاكم الشرعية (وبالتالي من جهات تسبقها كالشرطة وهيئة التحقيق والادعاء) في قضايا الإعلام، واعتبار وزارة الثقافة والإعلام هي المرجعية لذلك، وقد صدر أمر سامي بهذا الخصوص رقم (1910-م ب) بتاريخ 9-2-1426.
4 - السرقات العلمية هي تعد سافر على حقوق المؤلف ووزارة الثقافة والإعلام هي المرجعية الإدارية والنظامية والقضائية لنظام حماية حقوق المؤلف بالمملكة العربية السعودية، مما يعني تعزيز إحالة موضوعات السرقات العلمية إلى وزارة الثقافة والإعلام، باعتبار أن هناك حقوقا تم انتهاكها كسرقة كتاب أو فصل في كتاب أو بحث محلي أو خارجي، أو حتى حقوق أخرى كمصنفات يكون التعبير فيها بالصوت أو الرسم أو التصوير أو حتى الحركة. ومن هنا يصبح هذا النظام أحد المستندات القانونية للتحاكم بموجبه.
5 - القضايا التي يتم الخوض فيها حاليا هي سرقات وتحايلات واضحة لأهل الاختصاص ولأهل العلم وحتى للعامة من الناس، ولهذا فالقضية الأساسية هي هل تمت السرقة أو لا، ومن هنا فوزارة الثقافة والإعلام هي الجهة القادرة على تحكيم الأمور ولها أن تستعين بمن ترى للتأكد من السرقة أو التحايل وفق نظام حماية حقوق المؤلف.
6 - القوانين العالمية تشير في حالة وقوع تشهير إعلامي بشخص من الشخصيات العامة (أستاذ الجامعة من الشخصيات العامة بحكم النشر العلمي والمؤلفات العامة) يتوجب على الشخصية العامة أن يثبت أن التهمة ليست صحيحة، أو أنها مجرد ادعاء باطل، كما يجب أن يثبت تعمد الإضرار به من خلال ما تم نشره عنه. ولا يعطي القانون (الأمريكي على سبيل المثال) عقابا للتشهير لمجرد التشهير، ولكن يجب إثبات عدم صحة ما نسب إلى الشخصية العامة. وفي حالة عدم ثبات التهمة أيا كانت يتوجب تطبيق أحكام عقابية على مؤسسة إعلامية أو كاتب أو شخص نشر هذا الاتهام.
ومن هنا، ونظرا لكون الجدل مستمر في موضوع السرقات العلمية، فيتوجب على صاحب القرار أن ينظر في الحدث ذاته وليس في ملابسات النشر، فالحدث ذاته هو هل وقعت السرقة التحايل العلمي الواضح أو لم يقع؟ وهذا محور مفصلي في تصعيد القضية أو إيقافها، وفي حالة عدم ثبوت تهمة السرقة يمكن تطبيق العقوبات الجزائية. وفي كل الحالات ينبغي أن تكون وزارة الثقافة والإعلام هي المرجعية النظامية لمثل هذه الحالات، إلى أن تبادر وزارة التعليم إلى اتخاذ إجراءاتها الكفيلة بوضع أنظمة ولجان تحقيق أو محاكم علمية للبت في أمور تنامي السرقات والتحايلات العلمية في بعض الجامعات.