ميسون أبو بكر
لم يكن والدي رحمه الله دبلوماسياً، لكن عمله في سلك المحاماة وامتلاكه واحدة من أكبر مؤسسات المحاماة كانت أول الأسباب التي دفعتني للانبهار بابن الملك الفيصل؛ سفير الدبلوماسية ورجل المهمات الصعبة الرجل الذي يخشاه رجال السياسة ويتصدر اهتمام الخاصة والعامة، ولم تزده سنوات العمر إلا خبرة وقدرة وجسارة وفراسة، رجل ملأ الدنيا بما عُرف عن نشاطه وحنكته السياسية وجديته، وأحبه شعب وطنه وتجلى هذا الحب واضحاً جلياً في الآونة الأخيرة حين أصر رغم العملية الجراحية التي أجريت له أن يكون حاضراً يمين مليكه سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - في اجتماع جامعة الدول العربية بشرم الشيخ قبيل عاصفة الحزم مباشرة، وقد تجلت أكثر عاطفة الشعب نحوه بقوة بعد الدموع التي لم يستطع أن يخفيها وهو يتألم لعدم حضوره مراسم جنازة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - طيّب الله ثراه -.
ناهيك عن أنه حفيد مؤسس البلاد الملك عبد العزيز وابن الملك العربي البطل فيصل بن عبد العزيز، الملك الشهيد الذي خلدته ذاكرة العالم، فلم يكن الأمير سعود إلا أن يكون امتداداً لسيرة أبيه ومسيرته العطرة.
فهو الجندي الذي ناضل أربعين عاماً بين كَر وفر ليكون الابن الصادق القوي المهاب لوطنه المملكة العربية السعودية، ولم تثنه المعارك الصحية التي كانت ترهق صحته من أن يخرج منها داخلاً معركة سياسية ما كأسد جسور.
وإن عدت لمقدمة مقالتي وإلى الذاكرة التي استعرتها من والدي - رحمه الله - الذي كان بدافع عمله في المحاماة يتردد على المملكة كثيراً، وقد قابل صاحب السمو الأمير سعود الفيصل ونقل لي وقتها الكثير من أخلاقه وشيمه وفكره، فقد تجلى لي في عمري الغض؛ ذاك البطل الذي غالباً ما ترسم له الطفولة ملامح من الصعب أن تهترئ مهما شاخت الذاكرة أو مرت السنون، ناهيك عن ملكة الشعر التي يشتهر بها الأمير الراحل عبد الله الفيصل والأمير الشاعر صاحب الفكر الحازم الجازم خالد الفيصل والذين إذا ذكر أحدهم تعطرت الأسماع بالآخر منهم، فهم مسيرة شموخ ووطن وفكر على أديم الحياة وفي ذاكرة القصيدة.
لذلك أبت القصائد والقرائح إلا أن تزف الأمير بعد أربعين عاماً من العمل والمجد السياسي، فأبناء هذا الوطن مخلصون كما قادته، أوفياء كما قداسة هذه الأرض، شعراء كما من مروا منها ومضوا ولم تمض حكاياتهم بل علقت قصائدهم خلوداً على جدار الكعبة.
المملكة العربية السعودية دولة لها رجالها.. وأرض لها تاريخها، وحضارة متأصلة منذ فجر التاريخ، وحاضر طرزه مليكها سلمان بن عبد العزيز بأحرف من ذهب وقرارات أذهلت العالم وأعزّت شعبه.
حمى الله المملكة، وأعزها شعباً وحكومة وأعز بها المسلمين.
ولعل الشعر حسن خاتمة هذا المقال: حيث قال الأمير خالد الفيصل في أخيه:
«هز المرض رأسه ولا مال رأسه
وقفة جبل دون الوطن لأربع عقود
تدرون من يملا عيون السياسه..
سعود لا قبله ولا بعده سعود»
ثم تداعى الشعراء في محاكاة هذه الأبيات بما كان من عبق أرواحهم؛ حيث قال الشاعر صنيتان المطيري:
هزّ المرض راسه ولا هزّ باسه..
بقى ولد فيصل مثل شامخ الطود
ما اهتزت إلاّ قلوبنا والسياسة..
منهو لها غيره ومن يشبه سعود؟
فيما قال الشاعر معضد بن نشار العتيبي:
يهز راسه هز عز وفراسه.
ومع كل هزه تتضح صورة العود
يطيب راس الطيب من طيب ساسه
عساه يبطي ما دخل داخل العود».