ميسون أبو بكر
من السهل جدا أن تكتب عن شاعر فتتناول قصائده، أو مؤرخ أو كاتب فتتناول كتبه بالشرح والطرح، أو عن فنان تشكيلي تستعرض لوحاته الفنية ومدرسته التي ينتمي إليها، لكنه ليس من السهل أن تتحدث عن رجل فكر وثقافة وصاحب مشوار مميز سواء كملحق ثقافي سابق للمملكة العربية السعودية في أمريكا في زمن كان فيه المتعلمون والمثقفون قلة وكانوا لبنة الدولة الأولى من الرواد الذين قادوا دفة الإدارة والتعليم والريادة وصنعوا الزمن الجميل الذي حمل ملامحهم، أو في منصبه الذي شغله كمدير عام للبنك الزراعي، سأتحدث لكم قرائي الكرام عن موجه ومسؤول عن جيل تبوأ فيما بعد مراكز قيادية ومواقع مميزة في الدولة وهم اليوم أعلام يشار لهم بالبنان.
الأستاذ عبدالعزيز المنقور هو من أردت في هذا المقال نثر الحروف كباقة محبة وتقدير للرجل الذي جمع بين الحكمة والمعرفة والانضباط والنزاهة فخط بحروف من ذهب عمرا مديدا زاخرا بالإبداع والإنجاز.
مجلسه هو ديوانية يومية مفتوحة يستقبل فيها الجميع من طلبة وأصدقاء تفانى في خدمتهم لفترة تزيد عن عشرين عاما حبلى بالذكريات وبعصر ذهبي ترك بصماته حتى اللحظة، وترك داخلهم التأثير العميق الذي لمسته من خلال بعض الحلقات التلفزيونية التي التقيت فيها بنخبة من طلبة الدراسات العليا في أمريكا الذين أثنوا عليه ثناء طيبا وقصوا عليّ بعض المواقف التي مرت بهم ومن أبرزهم مترجم الملوك القدير منصور الخريجي والشاعرة د. فوزية أبوخالد، ولعل عدم حبه للأضواء هو الذي حجب ظهوره التلفزيوني معي في برنامجي «من سوانح الذكريات» رغم إلحاحي الدائم عليه.
قبل أن ألتقيه في عرس تكريمه الذي أقامه له محبوه من طلبة وأصدقاء ومعارف في قاعة تبوك بفندق الانتركونتنانتال قبل ما يقارب أربعة أعوام، كنت سمعت قصصا لا تنسى سردها من جايله أو صاحبه، ولعل أطرف ما أخبرني عنه من كانوا طلبة مبتعثين حينها بتسمية مكافأة البعثة التي كانوا يتسلمونها منه ب «شيك المنقور» ولعلني بعد لقاء تكريمه عرفت سر إجماع الطلبة والأصدقاء على محبته واحترامه وتقديره.
مثل الرجل القدير الجليل عبدالعزيز المنقور لا يمكن اختصار سيرته أو مسيرته التي تجاوزت الثمانين عاما في مقال أو بباقة حروف مهما عظمت فإنها لن تفي الرجل حقه، ولكنني أردت عبر هذه النافذة أن ألقي عليه التحية وأقول له: إنه خالد في الفكر، عطر في الذكر، سام في ثقافته ووطنيته واسع الاطلاع وثري الثقافة وله من المواقف ما لا تمحوه الذاكرة.
شكرًا فهد المديان الذي كنت جسرا جميلا عرفني بهذا الرجل الموسوعة الذي أنار درب من اغتربوا عن بلادهم طلبا للعلم فكان أهلهم ووطنهم وابن المملكة الذي أدى الإمامة وأخلص لوطنيته.
بوركت أبا محمد وعبدالله وخالد وسارة.. أطال الله عمرك وجعلك ذخرا لنا ومثالا حيّا على التفاني والإخلاص.