علي الخزيم
إذا أجريت قلمي ليكتب حول هذا الموضوع وأمثاله من المسائل والقضايا الوطنية فإني (وغيري كثير) لا ندّعي بأننا الأمثل والأكمل، إلاّ أن ما يريح النفس هو هذا الشعور الصادق النابع من الأعماق بالمحاولة الجادة والعمل الدؤوب للوصول إلى أعلى وأرقى درجات سلّم المواطنة الحقة المخلصة، والدعوة إلى ذلك ما استطعت إليه سبيلا، فليس من الإنصاف الحديث بهذه القيم العالية دون تطبيقها عملياً، ولن تتحقق المثل العليا بمجرد التنظير اللفظي فإذا ما انطلقنا إلى شأننا ارتكبنا كل المخالفات المناقضة لأقوالنا، وهذه من الشرور التي تُبتلى بها المجتمعات والشعوب الأقل حظاً في وعيها، القاصرة عن بلوغ مرادها رغم معرفتها بحدود مبتغاها بدليل الحديث المتواصل عنه في قاعات الجامعات وفي البرامج المتلفزة وعبر الصحافة، فأي مجتمع يتحدث أكثر مما يفعل ولا يطبق القول على الفعل فهو يعيش أزمة وعي وفقر ثقافي، وقد تجمعك المناسبات بإنسان مسؤول ويفترض أنه على قدر من الانضباط فيأخذ هو بأطراف الحديث ويده تلاعب مسبحته فيَعْتب على كل من يخالف أنظمة المرور ويُعَرّج بحديثه على من يتجاوز الأنظمة الإدارية إلى غير ذلك؛ وحال انصرافكم من المناسبة تجده أول مخالف لأنظمة السير والمرور ولو حادثته سراً عما كان يقوله بذلك المجلس وعن تصرفه بعده لقال: إن مخالفته للمرور كانت لحاجة مُلِحّة لكونه مستعجلاً لأمر هام، وإن تجاوزاته الإدارية في إدارته إنما هي حالات مخصوصة بزمن مخصوص، وإنه إنما يطبق روح النظام لا نصه، وأن النظام مطاط ولِكُلٍ تفسيراته وهناك اختلافات في الفهم بمدلولات النظام، كل هذه التبريرات لمحاولة الهروب وتَقَمّص دور المواطن المثالي، ولم يعلم أنه بأقواله قد أدان نفسه، وأمثاله كثير في كل زمان ومكان يرسمون لنا صوراً من أزمات التقهقر الجمعي بالوعي في زمن تُحَلّق فيه مجتمعات تعلو بقيمها ومفاهيمها وتُرَبّي الأجيال عليها ولا تخادعهم بزيف القول ومناقض الفعل.
خلال الأيام الماضية استوقفتني جملة من الأخبار حول حملات مرورية بمناطق عدة سُجّلت خلالها مئات المخالفات أكثرها ضد وافدين اتضح أن منهم من لا يحمل إقامة ومنهم من يعمل لدى الغير أو في غير المهنة، إلى جانب مخالفات متعددة ارتكبها مواطنون ومقيمون كلها تثبت قلة الوعي المروري أو انعدامه عند البعض، وضعف الحس الوطني عند فئة من المواطنين لم يستشعروا مخاطر تجاوزاتهم للأنظمة لا سيما ما يتعلق بتعاملهم مع مكفوليهم من الوافدين، وفضحت الحملات تسيب آلاف من العمالة الوافدة بمعاونة مواطنين تركوا لهم خيارات العمل بمخالفات صريحة وكسر لكل الأنظمة المتبعة، في سبيل الربح على حساب أمن الوطن وسمعته بين الأوطان وقدره بين الأمم، والغريب وحسب ناطق إعلامي بمرور مكة المكرمة أن غالبية الوافدين المخالفين للمرور والأنظمة الأخرى يدّعون أنهم مظلومون وبعضهم لم يعترف أصلا بالمخالفة رغم أجهزة التصوير، إذاً فنحن نعيش أزمة وعي وحس وطني يشارك بها الوافد المستهتر والكفيل المتستر والمسؤول المتراخي بتطبيق الأنظمة وتطويرها.