علي الخزيم
(الحسبة) هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ اسم لامع ورنان، إذ انه يدفع الأنفس إلى الفضيلة واستذكار محامدها ورُقِي ما تدعو إليه من نواميس إنسانية وسجايا رفيعة سامية دعت إليها كل الأديان والشرائع، ورجال الحسبة (والأمر كذلك) يتبوؤن مكانة دينية واجتماعية عالية ويَمتنّ لهم المجتمع بإنجازات جليلة لا يمكن حصرها هنا، ولا يُنكرها إلا من غابت (أو غُيّبت) عنه الحقيقة، والأخبار تترى كل ساعة عن عمل يسجله هؤلاء الرجال نقف له احتراماً وندعو الله أن يحميهم من شرور المارقين عن جادة الصلاح، غير أن المُحب لهم يرجو دائماً أن تمتد أعمالهم وتتفرع لتشمل فضائل أخرى يحتاجها المجتمع، ثم إن على رجال الحسبة مسؤولية عظمى في الحفاظ على سمعة ووجاهة قِيَم هذه الهيئة المباركة المدعومة حساً ومعنى من عامة الجمهور ومادياً من القيادة الرشيدة، ومن ذلك جزئية بسيطة قد يغفل عنها (البعض) أرى أهمية طرحها: وهي القدوة الحسنة، فلا يمكن أن تقوّي هذه الجهة مكانتها بين صفوف المجتمع وتحافظ على هذه القوة إذا ما وجد فرد أو أفراد غَفِلوا عن هذه القيم العظيمة والمدلولات الحاسمة في مجالات الدعوة والحسبة؛ فليس من المقبول أن نرى رجلاً محسوباً على هذه الهيئة وهو في تَجَمّع كفرح أو مهرجان أو مناسبة عامة أو في الأسواق وهو يمارس ما يتنافى مع عمله ومهامه وسمو احتسابه الشرعي، فهو قدوة لكل من ضمّه التجمع ويُنظر له أنه ممن يفترض فيهم الورع والبعد عن مظان القصور في الخلق والمروءة، هناك صور غير محببة تصدر من بعضهم في مجالات التعامل مع الأسرة والأبناء لا تَمُتّ للمودة والرأفة، ويصدر من هذا البعض نَزقٌ أخلاقي في بعض التعاملات مع الآخرين يصل إلى حد التّكَبّر وهضم الحقوق، إما جهلاً أو انفعالاً لحظياً سرعان ما يعود صاحبه إلى رشده (فالخير فيهم بإذن الله)، لكنهم القدوة والعيون ترقبهم ولن تغفر لهم، وقد تتمادى عيون أخرى لتقلدهم ظناً أن ما فعلوه هو الحق.
ليست الحسبة أمراً مطلقاً يفعله كل من شاء، بل إن لها شروطاً لا بد من تحققها وصفات يتحتم توافرها، سبق أن تحدث بها الدكتور مناع القطان -رحمه الله، سأجتهد واختصرها بالتالي: (أن يكون المحتسب مسلماً (عادلاً) عاقلاً يميز بين الخير والشر والحلال والحرام)، وقال بعض العلماء إن من الصفات التي ينبغي توافرها في المحتسب أن يكون عارفاً عالماً بالمعروف الذي يدعو إليه والمنكر الذي ينهى عنه، وأن يكون بصيراً بالأمور من حيث ما يترتب على أمره ونهيه، كما شدد آخرون على أهمية العلم بنفسيات المدعوين بأن يكون على علم بحالهم وأعرافهم وعاداتهم، فيأتيهم من المدخل الذي يُسهل انصياعهم لدعوته وعدم نفرتهم منه، وأن يكون طويل البال واسع الصدر لا يتسرع الإجابة، يتدرج في أمره ونهيه بحسب حال من يدعوهم، مع الرفق والبشاشة. ومرتكز الحديث أن للقدوة الحسنة أبلغ الأثر في نفوس المدعوين وأنفذ للنصيحة.