رمضان جريدي العنزي
المزمار آلة موسيقية شعبية تقليدية قديمة، وهي آلة تعتمد على النفخ الذي يتولد منه الصوت من خلال ميسم الفم، ويتحكم بنغمة الصوت الصادر عن طريق فتح وإغلاق ثقوب في جسم الآلة، وهذه الآلة قد تعد من أعواد القصب أو الخشب أو من مواد أخرى كالمعادن،
وللمزمار أنواع ومسميات عدة كالفالون والناي والأبوا والكلارينيت والبراعة والفاجوت، ولكل نوع شكل وتصميم معين وقدرة على عزف النغمات المختلفة والمتنوعة، إن المتابع لهؤلاء - المزماريون الأعداء - في الصحف وفي الفضاء، يلحظ بلا أدنى شك ولا غبش محاولتهم أخذ دور المزمار من خلال أطروحاتهم التي تشبه الزعيق، في كثير من المرات يطوقني الاستغراب عند رؤيتي للتشنج الساخن وللكلام الصاخب وللحركات البهلوانية وللكذب المكشوف الذي يمارسونه ويتفوهون به هؤلاء الثلة الباهتة الصفراء، الذين يجيدون تماما اللعب على التناقضات والتلون والتبدل وتغيير الجلود، إنني أستغرب كثيرا تشنجات الكلام المندلع من هؤلاء الذين يشبهون خارطة الجمر وانبعاث الرماد الكثيف، وأستغرب أكثر هذا الهوس المذاب بحب الذات والتبعية العالية للآخر، ومحاولة التضليل الممنهج المحكم الذي يمارسونه بشناعة تامة في التمجيد والتغني للذات وللآخر وإحراق الآخرين بصفاقة تامة وإلصاق التهم والعيوب جزافا، إن فداحة الرؤية الشحيحة التي يمنحها لعيوننا ومسامعنا هؤلاء المزماريون تكمن من خلال الثقوب الصغيرة التي بالكاد يرون من خلالها الحقيقة المرة والواقع البشع لذواتهم، لقد ذابت الألوان كلها عندهم، حتى أنهم حاولوا أن يبتلعونا بأكملنا ويطوونا تحت إبط شعاراتهم المطاطة، وكلامهم الأصفر، وحناجرهم التي بدأت تصاب بالجفاف والحمى والكسل من أثر اجترار الكلام المزيف، إن هؤلاء يتشابهون في القصد والمراد والمبتغى والمعنى وإن اختلفت هيئاتهم، وأشكالهم، وألوانهم، وأرديتهم، ولكل له دور وميزة من أجل الحضور والبقاء والمنفعة والتربح والتكسب والنعيق للآخر على حساب الحقيقة والصدق والواقع السليم، إن هؤلاء المزماريون يخوضون سباقا ضاريا وتنافسا قويا لكي يبرهنوا على عمق حضورهم وكينونيتهم إلى درجة ينسون معها القضايا الحقيقية، والصدق واليقين، وذلك بقيامهم بقلب كافة المعادلات والمفاهيم والحقائق، ومحاولتهم طمس الواقع المشاهد، إن هؤلاء المزماريون مجرد أبواق خراب وهدم وعبث، وأصوات شؤم ودمار وبلاء ونشاز، إن الغش والتدليس والدس والخديعة التي يمارسونها، نابعة من أجل البقاء والحضور وامتلاك المشهد والمنفعة الشخصية، لكن سينكشفون حتماً، وسيكونون مسمرين بقوة من هول الصدمة والواقع، وسيرون أن حجم الكارثة التي مارسوها بعد انكشافها أكبر بكثير مما كانوا يتمنطقون ويزورون ويزيفون ويضللون ويعتقدون،أكبر كثيرا من كل النوافذ التي حاولوا إغلاقها بالأسمنت والحديد، إن الشواهد والأمثلة لهؤلاء المزماريون كثيرة وعديدة ومتنوعة وما عليكم إذا أردتم أن تعرفوا هؤلاء سوى زيادة التمعن والتفكر والتفقه لتشاهدوا كيف وضعوا أنفسهم بغرور تام، وبزهو يشبه زهو الطواويس بأنهم المخلصين والمدافعين والمنافحين والمحامين والمهددين والمتوعدين والرافعين والخافضين والناطقين الرسميين والمادحين والشامتين وأنهم الشيء كله، والكلام كله، والمنطق كله، والحضور كله، والبهاء كله، وما عداهم لا شيء، فاحترسوا بتمهل وعقل ولا تغركم الأشكال والهيئات والألفاظ وترتيب الكلام المنمق، ولا يغركم تلوين الجمل، وتزيين المفردة، وصف الحروف، ومخارج الأصوات، فوراء الأكمة ما وراءها.