رمضان جريدي العنزي
شوارعنا تتشقق بفعل المعاول والبلدوزرات المتعاقبة عليها، فما يكاد ينتهي مقاول من أعمال الحفر والدفن، إلا ويباشر مقاول آخر بالحفر والتعميق والإضافة في المكان نفسه، فيهدم ما أنجزه المقاول السابق، وهنا تحدث الطامة الكبرى والمصيبة العظمى،
حين يبدأ أحد المقاولين بمشروع، وقد انتهى للتو مقاول آخر من عمليات الدفن والتسوية في المشروع نفسه!، وربما تتكرر هذه الفوضى وتستباح الشوارع نفسها مرات ومرات، وهكذا تتواصل هذه المشاريع العابثة، حتى تشوهت الطرق والممرات المرتبطة بها، فغدت في حالة مزرية، وكأننا نخوض سباقات محمومة لتشويه وتعطيل المزيد من الشوارع والطرقات، وبأساليب متخلفة تنم عن جهل مطبق بألف باء تخطيط المدن، أو أن التخطيط يتم بصورة مزاجية قابلة للمساومة لمراعاة مصالح معينة، وأغلب الظن أن هذه السباقات تجري على قدم وساق في ظل غياب الإشراف الحرفي والمهني، وعدم الالتزام بتطبيق المعايير الهندسية القياسية الصحيحة، وعدم التقيد بمبادئ وأسس التخطيط العمراني، فبدت الشوارع المنجزة متخرقة بالثقوب، ومتلطخة بالأصباغ الفاقعة، ومكسوة بالمواد الإنشائية الرخيصة، وتشوبها المرتفعات والمنخفضات والأنقاض، بعدما كانت ملساء ناعمة مستوية نظيفة، تسير فوقها المركبات بكل سهولة ويسر، لا تسمع فيها صوتا، ولا يستوقفك عليها حادث، وهكذا تحولت شوارع مدننا، التي صرفت عليها الملايين، إلى ميادين مفتوحة لعبث العابثين، وثراء المفسدين، وقلة خبرة وأمانة المقاولين، فلا برامج مقننة، ولا جداول زمنية، ولا أسبقيات ولا أولويات، ولا هم يحزنون، ووصل الحال إلى وضع لا يمكن السكوت عنه، لما فيه من انتهاكات صارخة لحرمة المال العام، ولما فيه من تجاوزات سافرة لحقوق سكان المدن، وتعزى أسباب التشوهات، التي أصابت شوارعنا إلى التشرذم المهني، والابتعاد عن تطبيق أبسط القواعد الهندسية المعتمدة في التخطيط العمراني، وربما أدت حالة التشرذم إلى إشاعة أجواء اللامبالاة، والاقتناع بالأداء الشكلي، وتنفيذ المشاريع على الورق من دون ربطها بالنتائج، حتى انسحبت تداعيات هذه الظاهرة، بشكل مباشر وغير مباشر، على جملة الوظائف والأنشطة الاقتصادية والمكانية والاجتماعية لمدننا، وانعكست سلبا على حركة سير المركبات، فأربكت الأنظمة المرورية المحلية، وتسببت في حوادث دهس وتصادم مروعة، إنّ من أبجديات أسس تخطيط المدن، أن يتخيل المخطط أو المهندس ما سيكون عليه حال المدينة بعد عقود من الزمن، وليس بعد سنة واحدة، لأن شوارع المدن، ومبانيها ليست قطعا على لعبة أطفال قابلة للتغيير والتبديل عند الرغبة أو الحاجة، لذا فإن معايير الجودة، وقواعد التوصيف النوعي، وأسس التصاميم الحديثة المعتمدة على الصعيد المحليالدولي، تستدعي أسلوباَ ورؤية جديدة في تنفيذ مشاريع تعبيد الطرق، وتتطلب تنفيذ المشاريع في إطار قانوني وهندسي ومستقبلي مدروس بدقة، وواضح المعالم والأهداف، وتستدعي أيضا الاستعانة بمشورة الخبراء المحليين والدوليين، الذين يمتلكون خبرات طويلة في المجالات الهندسية التطبيقية، والاستئناس بأفكارهم وآرائهم ومقترحاتهم وملاحظاتهم، وقديماً قيل (ما خاب من استشار).