د.خالد بن صالح المنيف
يحكى أن شابا هنديا يدعى (بيهادور) كان يعمل حارسا عند أحد الأباطرة، وحدث أن تآمرا على الإمبراطور بعض الضباط واتفقوا على أن يداهموا القصر ليلا ويغتالوه, وفي ليلة التنفيذ تصدى لهم (بيهادور) ودافع عن الملك ببسالة؛ فأكرمه الملك برحلة لجزيرة كان يحلم بزيارتها! وبينما هو يسير في الجزيرة على الشاطئ عثر بمصباح قديم خرج منه مارد كان يشكو السجن في المصباح؛ فأراد أن يكافئ (بيهادو) فقال له: تمن أربع أمنيات أحققها لك! قال بيهادور: قصرا منيفا وسيارة فارهة وزوجة جميلة قال المارد باقي أمنية: قال اجعلني حارسا للقصر! وهذا التصرف يؤكد حقيقة من أعمق حقائق الحياة وهي: لو تغير كل شيء وبقيت الأفكار على ما هي عليه فلن يتغير في الحقيقة شيء!
وتلك امرأة فيتنامية تدعى (هيلجا) عاشت طفولة عامرة بالشقاء حافلة بالألم كان الجوع عنوان سنينها الأولى ثم أكملت عليها الحرب وقتل بعض أسرتها وتشرد الباقي، ثم قدر الله لها أن تعمل في أحد المتاجر براتب يكاد بالكاد يشتري لها طعاما يقيم صلبها, وبعد سنوات من الجهد والبذل والصبر اغتنت هيلجا وأصبحت مليونيرة حسابيا ولكن عقلها لازال الفقر يعشعش فيه! فبالرغم من كونها تمتلك الملايين ولا شيء يحول بينها وبين شراء ما تشتهي الا أنها كانت مقترة على نفسها وتتصرف بعقلية الفقير المعدم! فكانت مثلا عندما تذهب لمطعم تملا جيوبها بباقي الخبز وقطع الحلوى الصغيرة!
وكثير من البشر يتصرف كما تتصرف (هيلجا) لا يعي واقعه ولا يدرك حاضره ولا يتفهم وضعه؛ فلكل مرحلة لها ما يناسبها وتفاصيلها لا يسيرها عمر ولا مال ولا منصب بل توجه فكري وقناعات راسخة!
إن أكثر مايعيق البشر نحو أي تقدم وتطور هي حالتهم الذهنية فالبشر أبناء عادتهم -سلوكية كانت أو فكرية -فعندما يعتادون أمرا ما يطمئنون اليه ويألفونه ويضعف مع هذا استعدادهم لتغييره حتى ولو لم يكونوا راضين عنه أو سعداء فقد ربطوا واقعهم بالأمان لذا لا يفكرون في أي تغيير! ويطلق بعض علماء النفس على تلك الحالة مصطلح: (الصلابة الفكرية) حيث اكتساب موقف معين تجاه شخص أو أمر ما ثم بعد بعدها يقاومون أي تغيير ويصدون أي اغراء للتجديد طريقة ميكانيكية للتغيير!
وهولاء أشبه بمن علق داخل حفرة فخروجهم منها يحتاج لشيء مختلف عما أوقعهم فيها!
ونحن نحتاج بين فترة وأخرى لجلسات مراجعة ننقي بها أفكارنا ونعيد صياغة بعضها ونحذف ما يجب أن يحذف؛ فلن ينفعك أن تملك المال والدور والجاه وأنت لا تملك توجها سليما وأفكارا إيجابية، يقول برايان تريسي: إن استجابتك وتعاملك مع الأحداث والأشخاص يعود لمسلماتك الرئيسية وهي تلك الأفكار والخبرات التي أنت عليها! فما يوجد داخل عقلك هو الذي يجعلك سليمًا أو مريضًا أو تعيسًا أو سعيدًا أو غنيًّا أو فقيرًا, فتعلم السيطرة على عقلك من خلال أفكارك.
في قصة نشرت في مجلة المختار - Reader›s Diges عن رجل في رحلته الشاقة نحو (الأسكا) وفي بداية طريق ترابي وعر وجد لافتة كتب عليها جملة تجسد بدقة أهمية أسلوب الحياة تقول: اعتن بطريقك؛ فسوف تبقى هناك كثيرا!
وفي علم إدارة العقل هناك ما يسمى بقانون (الاستبدال) والذي ينص على: أن العقل يمكنه الاحتفاظ بفكرة واحدة فقط؛ لذا كان لزاما تهذيب العقل وإزالة ما فيه من أي أفكار ضعيفة ومفاهيم هشة, راجع أفكارك تجاه الحياة تجاه المال تجاه السعادة، تكيّف مع الجديد واستفد مما تملك واستمتع به, اهجر أي فكرة قديمة ضعيفة الفائدة أضحت تستنزف طاقتك وقدراتك وتذكر أن الحياة لن تعطيك إلا ما تطلبها منها! فلا تلتصق كثيرا بماضيك, فكر بيومك وغدك، واحرص على أن تنتفع بما تملك وتستمتع به!
يقول الشاعر الانجليزي صامويل جونسون: من يجهل طبيعة الحياة والبشر؛ فتجده يسعى نحو السعادة عبر تغيير كل شيء دون أفكاره وقناعاته؛ فلن يجني إلا الأسى!
وحتى نصل لهذه المستوى نحتاج لأفكار جديدة وقراءات جديدة وأشخاص جدد ومفاهيم جديدة؛ فرعاية العقل وتغذيته أهم من رعاية الجسد, وبداية الاعتناء بالعقل هو فتحه وتنقيته! ويؤكد هذا المعنى جيمس الين بقوله: كما يحرث البستاني أرضه وينقيها من الحشائش الضارة ويبذر فيها ما ينفعه من فواكه وخضراوات وزهور عليه كذلك أن يرعى حديقة عقله من كل فكرة عقيمة ومفهوم متآكل وعادات كاسدة.
ومضة قلم:
لقد وصلت إلى ما وصلت إليه بسبب ما يدور في عقلك!