سلمان بن محمد العُمري
الحزم لغة يتقنها سلمان بن عبدالعزيز، حزمٌ في الشأن الخارجي كما في عاصفة الحزم، وحزمٌ في الشأن الداخلي حين أعفى وزير الصحة لأجل مواطن على طريقة «وامعتصماه» التي لامست قلب سلمان قبل أن تلامس سمعه، فكم من مصابٍ قد أصابه الجلل ومسّه الكلل قد قال هذه المقولة في هذه البسيطة لكن مقولته لم تلامس سمع أهل النخوة، ولقد جدّد سلمان عهد ماضٍ زهى، قد رثاه القائل بنعته:
ربّ وامعتصماه انطلقتْ
ملء أفواه الصبايا اليُتّمِ
لامست أسماعهم لكنّها
لم تلامس نخوة المعتصمِ
أن تكون وزيراً في عهد سلمان يعني أن تكون رجل دولة، ليست الوزارة مجرّد جاهٍ وسلطان بل هي مسؤولية، الرسالة واضحة وهي أن الوزارة تكليف لا تشريف، وعلى الوزير أن يكون قادراً على تحمّل أعباء منصبه.
حكمة سلمان بن عبدالعزيز وخبرته القيادية لسنواتٍ طوال جعلته يؤسّس لمجلسين هامّين: مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ولقد أصبح هذان المجلسان كمقصي رقيبٍ على عمل الوزير ومحاسبته وما يقدّمه من تقارير، يتابعان ويُقيّمان أعمال الوزراء، ومن هنا صار معيار نجاح عمل الوزير في رضى المواطن.
لقد صنع سلمان بن عبدالعزيز فلسفةً جديدة في نظام الوزراء ونوّابهم أنهم موظفوا دولة تم تعيينهم لخدمة الوطن ومواطنيه للنظر في حاجاتهم ومظالمهم ومطالبهم، ولقد كان الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز إذا اشتكى إليه بعض الناس من أحد الولاة، أرسل فوراً إلى الوالي يقول: «قد كَثُر شاكوك وقلَّ شاكروك فإما اعتدلتَ وإما اعتزلت»، وقال في إحدى رسائله لشعبه: «من ظلمه إمامه مظلمةً فلا إذن له علي» ففتح بابه مشرّعاً للشاكين والمتظلّمين وبذلك أنقذ الولاة أنفسهم من أنفسهم بأن لا يخوضوا في مظالم الناس.
لم يقتصر سلمان بن عبدالعزيز على العمل المهم الذي تقوم به الجهات الرقابية في الدولة، بل جعل من حديث المواطنين أيضاً عبر الإعلام الرسمي والجديد مرجعاً ومنهلاً.
يبدو واضحاَ أن المليك المفدّى يحفظه الله يؤسس لثقافةٍ ذات دلالات واضحة بأنه لا ضمانة ولا بقاء لأحدٍ على كرسيّه إلا بالعمل الدؤوب والمخلص للوطن والمواطن، هذا ما تريده وتنشده القيادة الرشيدة، لقد بتنا اليوم نفكّر ونبيت ونصحو على عهد الحزم والحسم، وبهذا يحقُّ لنا كمواطنين أن نفتخر ببلدنا الذي نرى فيه وزيراً يرفض طلب مواطن مضطر، فيأتي الرد عاصفاً بإعفائه من منصبه.
وحتى يكون للمواطن قيمة لابد أن يكون دافع الموظف والمسؤول ذاتياً وأخلاقياً، لا خوفاً من كاميرا تصوّره وتنشر سلوكه روإذا لم يجتهد الوزير في عمله ويكون بالفعل «شمسٍٍ شارقة» كما اشتهر فبيته أولى به؛ فالمواطن والمقيم في المملكة العربية السعودية هما الأهم في نظر القيادة الرشيدة، هذه حقيقة يجب أن يعيها جميع الوزراء.
في عهد سلمان بن عبدالعزيز زمنُ الأزياء قد ولّى إلى غير رجعة، فالعمل ثم العمل كما قيل في المثل العامي الشهير: «اعمل.. وإلا ترى الباب يوسع جمل».
إعفاء الوزراء أو نوّابهم حال تقصيرهم يؤكّد لنا بجلاء توجّه القيادة رعاها الله بتعيين الوزير الصادق تجاه نفسه وتجاه وطنه، وأن المأمول من كل وزير التفاني والإصرار والاجتهاد في خدمة الوطن والمواطنين، فالرقباء كُثر، وأعظم رقابةٍ رقابة الله، وفوق كل ذي علمٍ عليم.
من خلال عملي لستة وثلاثين سنة في خدمة ديني ووطني تعاملت مع عشرات من الوزراء سواء من خلال العمل في الساحة الإعلامية أو من خلال المعايشة العملية، وفي كتابي الجديد (بيتي الثاني) سيظهر حقائق وغرائب وعجائب خلال رحلتي العملية ليس هذا مكانها في تلك الزاوية.
أقول: من خلال تعاملي مع الكثير من الوزراء لسنوات طوال، لا أخفيكم القول أن بعضهم ربّما يهتم بالشكليات والفلاشات دون المضامين المهمة، يظنّ بعض الوزراء أن تطوير وزارته يكون بتغيير شعارها، أو تغيير مسمّيات مشاريعها، أو حتى المضيء أياماً وأسابيعاً بل أشهر لجلب أفضل الأثاث للمكتب وتجهيزه بأموالٍ تكفي لقيام مشروعاتٍ عديدة!! وبعضهم يهمل ما يطرحه الإعلام الذي قد يكون مدخلاً لإحداث تغييرات مهمة في وزارته، وبعضهم لا ينسب الفضل لأهله، يستغل أعمال وجهود موظفيه وينسب تلك الأعمال لنفسه، لا يملك أمانة علمية ولا عملية. وآخرون تجد الحاشية المحيطة به هي الآمرة الناهية من سائق الوزير إلى سكرتيره ومقدّم القهوة، حتى زوجة الوزير لها من الكعكة نصيب.
أما مدير المكتب فهو حكاية خاصة !!
وفي الجانب الآخر تعاملت مع وزراء على قدر كبير من المسؤولية والأمانة وحسن الخلق والتواضع ولين الجانب، لا يعرفون الكذب والمراوغة، همهم الأول والأخير خدمة الدين والوطن وولاة الأمر يقضون ساعات طوال في العمل من أجل الإنجاز والعمل الجاد وتقدير الرجال الأوفياء المخلصين بعيداً عن المحسوبيات والمناطقية والقبلية البغيضة. لا ينظرون إلى علاقاتهم بالمراجعين والموظفين نظرة تبادل مصالح ومنافع وصفقات تجارية!!
هؤلاء الوزراء الجادين المثابرين بصماتهم واضحة، والناس شهود الله في أرضه لأنهم وضعوا نصب أعينهم أن العمل أمانة مع إطلاع واسع وإلمام شديد في جوانب العمل والإتقان والإخلاص.
وللحديث بقية!!