د. جاسر الحربش
السائد على الساحة حالياً نوعان من التدين، تدين طقوسي لا يتطور مع الحياة وادعاء تدين، تكفيري جهادي يمارس الكفر تحت رايات الشرعية، بينما المسلمون بحاجة إلى ما ينفعهم ويحصنهم في الدنيا والآخرة، وهذا من المستحيل حدوثه طالما بقي فصل العقل والعلم عن التدين.
عن بعد وعلى فترات متقطعة في الشبكة العنكبوتية، أحاول متابعة الناتج الفكري الذي تقدمه مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، مما يجعلني أستبشر، أو على الأقل أعلل النفس بتباشير تجديد في الأوضاع. من بين خمسة عشر عضواً عاملاً في مؤسسة مؤمنون بلا حدود لا يوجد مفكر واحد من دول مجلس التعاون الخليجي أو اليمن، رغم حاجة سكان هذه المجتمعات بالذات إلى نقلة تجديدية كبيرة تتوخى التحقيق الوجداني والذاتي في المؤمن وإيجاد علاقة صافية بينه وبين ربه، وكذلك بين المؤمن والآخرين، امتثالاً للنص الإلهي بانتفاء الحاجة إلى الإكراه في الدين بعدما تبيّن الرشد من الغي بنهاية نزول الوحي.
مؤسسة مؤمنون بلا حدود وليدة ولم يبلغ عمرها السنتين، ومقرها الرباط في المملكة المغربية. من محاسن الصدف أنني عثرت في جريدة الحياة، عدد يوم الخميس الموافق 28 جمادى الأولى 1436 هـ/ 19 مارس 2015م، على حوار مع أحد الباحثين في هذه المؤسسة، هو المفكر الإسلامي السوري محمد العاني، ولا أتحرَّج من نقل مقتطفات من الحوار معه دون استئذان، لأن الفكر متى ما نشر أصبح حقاً مشاعاً للجميع.
يقول السيد العاني: نحن نطرح تجديد وإصلاح الفكر الديني كعنوان عريض، يتضمن النقد والتفكيك والتحليل وكذلك التركيب وطرح رؤى جديدة، فنحن أمة يمثل الدين مكوناً رئيساً في ثقافتها، لكي نأخذ الديني بمعناه الغائي الذي يمثل الجانب الوجداني الذي يعطي للإِنسان معنى لوجوده في هذا العالم. للأسف يستهلك الشق الطقوسي والتشريعي أغلب المساحة، فأصبح الجانب الوجداني فارغاً من المعاني التي تدفع بحركية الإِنسان المؤمن وعقلانيته نحو تحقيق ذاته والفخر بها. الاشتغال على الجانب النقدي فقط، الذي هو اشتغال على الجانب العقلاني في ظل عولمة ثقافية تعلي وتقدس العقلانية، يؤدي على المستوى الوجداني إلى مواجهة حتمية دفاعية لدى المسلم، تعوق تقبل الحركة النقدية والتجديدية في المجتمع وتدفع بالمجتمع إلى الانشداد نحو التدين الطقوسي والتشريعي الذي لا يجد فيه ما يملأ عطشه الوجداني، لكونه خاليا من القيمة العملية التي تساند نهوضه وتعطي لوجوده معنى يبعث على الاعتزاز بالذات، ولذلك نحن أمة تعيش على تقديس الماضي وتخشى المساس به. في الأزمات تتفجر هذه المعاني الموهومة للذات فتصبح التشريعات والطقوس غاية ويزداد التطرف للتمسك بتحقيقها. الجماعات المتطرفة ليست سوى تعبير عن أقصى وأقسى تمظهرات هذا الفراغ الوجداني، الذي تملؤه بتقديم التطرف كمطلب ضروري لتحقيق المسلم لذاته ومعنى لوجوده المختصر بالطقوس والتشريعات.
في مكان آخر يقول السيد العاني: لنكن صرحاء في مسألة عودة قضية السبايا، المرتبطة بشكل وثيق بالرغبات الجنسية المكبوتة. لدينا تراث غزير من الفتاوى المستخدمة لتقديم حلول عملية لتفريغ هذا الكبت الجنسي واحتوائه، ومنها الفتاوى والآراء الفقهية المتعلقة بمسألة السبايا. في العصور القديمة والوسطى كانت هذه المسألة طبيعية، قياساً على ثقافة الحروب والغزوات في معظم الأديان والحضارات، أما اليوم فالمسألة تعتبر انتهاكاً لكرامة المرأة وإِنسانياتها. الخطر في الموضوع هو أن الاغتصاب الجسدي والمعنوي يأتي تحت المبررات الدينية، كثواب ومكافأة دنيوية وأخروية، بدل أن يكون جريمة بشعة. نكاح الجهاد والسبي يقدم اليوم كحافز للشباب للالتحاق بداعش، ويتم التغرير بهم بتقديم إشباع الرغبة الجنسية المغلفة بتبرير شرعي، فيقدم هذا الفعل الإجرامي تحت باب الفضيلة والتقوى. انتهى الاقتباس.
يستطيع المهتم من القرَّاء الرجوع إلى كامل الحوار في عدد صحيفة الحياة المذكور أعلاه، ومن يريد الاستزادة يجدها في متابعة ولو بعض النشاط الفكري التجديدي لمؤسسة مؤمنون بلا حدود للأبحاث والنشر، وهو تجديد تحتاجه الأمة أكثر من أي وقت مضى.