طراد بن سعيد العمري
وزير التعليم الجديد الدكتور عزام الدخيّل، نبارك لك الثقة الملكية ونطلب منك في هذه المقالة، فقط أن تتخيّل. بداية خذ إحصائية السكان والمواليد المواطنين وعدد الطلبة بعد 20 عاما، وتخيّل أن كل أولئك هم «العملاء» لوزارتك، فماذا ستقدم لهم؟ الدولة لم تبخل على التعليم،
لكننا نجزم بأن جزءاً كبيراً من مشكلة التعليم تكمن في أمرين: الإغداق والإغراق. إغداق مالي خلق شيئا من الدعة والكسل لدى المعنيين بالعملية التعليمية، وإغراق في التقليدية والماضي وعدم القدرة على الابتكار والتفكير على أساس المنطق. تخيّل أننا لسنا بحاجة إلى (80%) من الميزانية المرصودة للتعليم. مهلا «أبا محمد»، لا تتهمني بالجنون حلمك علي واقرأني حتى النهاية. تخيّل بداية، لو أن المناهج الدراسية المطبوعة في كتب ورقية: المصحف والحديث والفقه والقواعد والأدب والنصوص والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفيزياء والكيمياء الخ التي ينوء بحملها الطلبة يوميا، تم تحويلها إلى تطبيقات إليكترونية ذات نصوص ورسومات مقروءة ومسموعة ومرئية وبأبعاد ثلاثية أيضا، هل تتخيّل حجم المعرفة وحجم الاستيعاب وحجم النقلة النوعية في الشكل والمضمون والنتيجة؟
الآن تخيّل معي يامعالي الوزير أن كل طالب وطالبة يصرف له «لوح إليكتروني» يحمل رقم الهوية الوطنية وبشريحة بيانات فيها كل المعلومات والسجلات والاختبارات والمحاضرات الخاصة بهذا الطالب المواطن ويتم ربطها ومتابعتها ومراقبتها وصيانتها وتحديثها والتواصل من خلالها مع غرفة عمليات التعليم في الوزارة. هل تتخيّل حجم التوثيق وحجم التواصل وحجم الانضباط الذي سينتج عن ذلك؟ الآن وبعد أن حوّلنا المناهج إلى تطبيقات إليكترونية، وسلّمنا كل طالب وطالبة «لوحا إليكترونيا»، تخيّل معي ياعزام، أن الحاجة للفصول الدراسية والمدارس والمعلمين قد انتفت تماماً، ولم يعد لها حاجة. يبدو، ياسيدي أن خيالك في هذه اللحظة صوّر لك كم أنا مجنون، لكن أرجوك أن تتريّث، وتسترخي وفقط تتخيّل.
التعليم هو عملية معرفية ترتبط بالهدف والغاية من المعرفة، والمعرفة كما يقال «أسيرة أدواتها». ليس هناك الكثير مما يمكننا أن نضيفه في المعرفة ذاتها، تخيّل! لكن هناك الكثير مما يمكن لنا تطويره في أدوات ووسائل المعرفة. تبدلت الألواح الخشبية إلى كتب ومقررات مطبوعة، وانتقلت الدراسة من باحة المسجد إلى غرف وقاعات فسيحة، وتحوّل الجلوس من على حصير أو «حنبل» إلى طاولات وكراسي، وتحول المعلم من مطوع متطوع بالمجان بجهده ووقته إلى مدرس براتب، لكن الأداة والوسيلة والأسلوب لتوصيل وشرح وتفسير الآية والحديث والمعادلة الرياضية والفيزيائية وشرح الخرائط الجغرافية تختلف وتتغير حسب الزمان والمكان والبيئة والأسلوب ومن معلم إلى آخر، تخيّل! أضحت المعرفة، ياسيدي، متوافرة اليوم وبتنوع مثير لم يشهد له التاريخ مثيل. كنت أتمنى لو عاد اسم الوزارة بعد الدمج والتغيير إلى الاسم القديم «وزارة المعارف»، كنّا في الماضي، بالمناسبة، صح يا معالي الوزير .. تخيّل!
هناك ثلاث خطوات الكل يعرفها: المدخلات، المخرجات، والنتائج. تقول الدراسات إن (98%) من التنفيذيين يهتمون بالخطوتين الأولى والثانية: المدخلات والمخرجات، و (2%) فقط يهتمون بالخطوة الثالثة وهي، النتائج. كيف؟ حسناً، لنأخذ التعليم لأنه محور هذه المقالة، تخيّل أن تقييم الإنجاز والنجاحات لدى معظم المسئولين والتقارير يتم بحسب المدخلات والمخرجات: عدد الطلبة والمدارس والجامعات والفصول الدراسية وقاعات المحاضرات وعدد المعلمين والمعلمات، وقبل هذا وذاك، عدد الريالات التي تم صرفها على التعليم. لكن من النادر ذكر أو التركيز على حجم ووزن المعرفة أو القيمة المُضافة المتحققة من العملية التعليمية، بالرغم أنها، الأساس والهدف والغاية، تخيّل!
أنت تعتبر يا»أبو محمد» من الـ (2%) الذين يهتمون بالنتائج. هذا ليس مجاملة، بل من إجراءات وقرارات قمت أنت باتخاذها بالأمس القريب ومنها ربط المركز الوطني للتعليم الإلكتروني والتعلُّم عن بُعد بك مباشرة، وأسندت إلى المركز مهمة تطوير الإطار العام والسياسات المنظمة للمدرسة الافتراضية، التي ستطرح تعليماً موازياً للتعليم التقليدي. تخيّل أن تبدأ تجربة اختيارية للتعليم الإلكتروني لعدد من طلبة مراحل مختلفة في عدد من مناطق المملكة. وتخيل، أيضا، أنك شكّلت فريقا لمتابعة التجربة وتقييمها وتطويرها، أتخيل أنا، وليس أنت، أنك ستكتشف أن (80%) من الموظفين والمعلمين لا حاجة لهم، وأن (80%) من المدارس والأراضي سيتم الاستغناء عنها وأن (80%) من السيارات ستختفي من شوارعنا في الصباح وبعد الظهر، ونفس النسبة ستمتد إلى عدد السائقين، الآن أنت تخيّل حجم الترشيد في الجهد والوقت والمال.
بالنسبة للتعليم الجامعي الحكومي، تخيّل أن لدينا جامعة واحدة فقط اسمها «الجامعة» مع فروع في كل محافظة ومنطقة في المملكة وقدرتها الاستيعابية بحجم الكفاءات المطلوبة في القطاع العام، وما عداه يوكل إلى الكليات التقنية والمهنية والجامعات الخاصة، أما الابتعاث فيتم ربطه بالحاجة المطلوبة من التخصصات والكوادر البشرية في القطاعين العام والخاص. أما الملحقيات الثقافية التي تنتشر في كافة أنحاء المعمورة فتخيّل أنه ليس لها أي حاجة، ويمكن لك أن تستبدلها ببرنامج مراقبة إليكتروني لا تزيد كلفته لكل طالب عن قيمة دفتر «أبو أربعين»، تخيل! كما تستطيع من خلال البرنامج مراقبة كافة المبتعثين فردا فردا في كل أنحاء العالم من أي جهاز كمبيوتر في مكتبك أو من جوالك، هذا ليس خيالاً هذا البرنامج حقيقة وموجود وسبق أن قام بعرضه صديق على وزارة التعليم العالي قبل سنوات وتم رفضه، تخيّل.
أخيراً، يا معالي، يا وزير، يا»أبو محمد»، يا عزام الدخيّل، أنت ونحن نستطيع أن نتخيّل حجم المعارضة من التقليديين وعبّاد البيروقراطية وأعداء النجاح الذين يصفهم القصيبي- رحمه الله- «يؤذي نفوسهم أن ينجح الآخرون»، ومع ذلك ختاماً، تخيّل يا دكتور عزام الدخيّل انك عندما تتخيّل سينتج عن ذلك «ثورة الملك سلمان في التعليم والمعرفة». الله يعينك ويوفقك.