إبراهيم بكري
في جيزان يسكن ترابها جينات خضراء وصفراء لا يخلو بيت من عاشق للراقي أو العميد.
عشنا طفولتنا وسط سلطة أهلاوية واتحادية, عندما يحقق أحدهما بطولة تتوشح حارتنا القديمة لون المنتصر أخضر أم أصفر.
الشوارع تزدحم والناس يتراقصون وسط مواكب السيارات وكل البيوت ترفع أعلام البطل.
بين كل هذه الحشود كنت أشعر أنا و أخي وجار لنا بأننا نحن «أقلية» ذنبنا الوحيد أننا لا نشجع الأهلي أو الاتحاد!
عندما كان يحقق فريقنا بطولة لا نتذوَّق الفرح وتنام جازان كلها وهي تتوشح ثوب الحزن وكأننا في مأتم نشاهد العيون تذرف الدموع من كل الأجساد التي حولنا.
لا خيار لنا حينها كأطفال إلا أن نشجع فريقنا «بالسر» خشية أن يعرف الجيران ميولنا فنخسر الكثير من المتعة التي يحتاجها أي طفل؟
في ملعب الحارة الترابي فريقان الأول يرتدي زي الأهلي والثاني طقم الاتحاد, كنا حينها ندّعي تشجيع أحدهما حتى نلعب الكرة!
لا خيار لك حتى في المدرسة كانت حصة التربية البدنية معلمها يقول الأهلاويون هنا والاتحاديون هناك عليك أن تذهب مع أحدهما و إلا ستجد نفسك وحيداً خارج الملعب.
كل هذه الأحداث تعتبر نسيجاً من زمن مضى, اليوم في جازان جيل جديد من الشباب «يجاهرون» بتشجيعهم للهلال والنصر لم يتوقف الأمر عند هذه «المجاهرة» لك أن تتخيّل أن لهذين الناديين روابط مشجعين رسمية مدعومة من مجلسي إدارتي الهلال والنصر.
قد تسأل هنا:
كيف ولد هؤلاء المشجعون الجدد؟
هاجرت كثير من الأسر للرياض بحثاً عن الوظيفة فأخرج الله من أصلابهم هلاليين ونصراويين وفئة أخرى من الشباب عندما سافروا للعاصمة لدراسة الجامعة ارتدوا عن ميولهم السابقة واعتنقوا تشجيع الهلال والنصر وكل هؤلاء عندما عادوا لجازان أقنعوا إخوانهم الصغار وبعض أقاربهم والجيران على استبدال ميولهم.
لك الحق هنا يا صديقي أن تسأل:
لماذا أنت يا إبرهيم لم تشجع الأهلي أو الاتحاد؟
عندما كنت طفلاً سافرت إلى الرياض لزيارة عمي وجدت هناك الأطفال ميولهم تختلف عن الأرض التي أعيش فيها, ألوان جديدة يتوشحونها في ملاعبهم أزرق وأبيض أو أصفر وأزرق، ذهبت إلى ملعب الملز لحضور بطولة فوجدت ذلك الفريق العاصمي ينتصر دون أن أشعر، من تلك اللحظة شجعته وعشقته مع كل هذا الحب للفريق الذي يميل له قلبي أعترف لك يا صديقي لقد فشلت مع إخوتي الأصغر مني في السن لتشجيع فريقي، فاليوم هما شابان عمرهما في العشرينات الأول يشجع الأهلي والثاني اتحادي, مهما فعلنا وحاولنا ستبقى جينات الأرض في جازان تسكنها رائحة الراقي والعميد.
لا يبقى إلا أن أقول:
هؤلاء المجاهرون الجدد عليهم أن يصمدوا وأن يتوشحوا ألوان الزعيم أو العالمي, هي مرحلة تاريخية في جازان لعشاق الرياضة بأن يتعايش الجميع بمختلف ميولهم.
يوماً ما سيكبر هؤلاء الشباب حينها لأول مرة في التاريخ ستجد في جازان عجوزاً عمره 70 سنة يقول لك أنا أشجع الهلال أو النصر!
حتى هذه اللحظة لم أجد هناك رجلاً تقوَّس ظهره والتجاعيد تسكن وجهه و قلبه لا ينبض بحب غير الأهلي أو الاتحاد!
مع كل هذا أجد نفسي اليوم كما كنت طفلاً عاجزاً عن «المجاهرة» بكشف تشجيع فريقي هنا, صحيح قد تشعر بميل قلبي أحياناً لفريق ما لكن «قلمي» لن يميل لأنه ملك كل القراء بمختلف ميولهم.
** هنا يتوقف نبض قلمي، وألقاك بصحيفتنا «الجزيرة» كل أربعاء وأنت - كما أنت - جميلٌ بروحك. وشكراً لك.