د. أحمد الفراج
عندما انتخب الرئيس باراك اوباما، في عام 2008، أبقى على وزير الدفاع في حكومة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، السيد روبرت قيتس، مع أن قيتس صقر جمهوري، ولم تأخذ اوباما العزة بالإثم، وينتقم من الجمهوريين، الذين ساموه سوء العذاب، خلال فترة ترشحه للرئاسة، لأن أوباما أدرك أن برنامج وزارة الدفاع قد يتعثر، في حال عين وزيراً ديمقراطياً جديداً، وقبل ذلك، كان الجنرال الجمهوري كولين باول، قد صوت للديمقراطي أوباما، مع أنه جمهوري عريق، ومع أن من صنع مجده هو الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب، عندما عينه قائداً لكافة القوات الأمريكية المسلحة، وبعد ذلك عينه الجمهوري جورج بوش الابن وزيرا للخارجية، في فترة رئاسته الأولى، ولم يقل أحد بأن الجنرال كولن باول خان الجمهوريين، فالهدف الأسمى هو خدمة الولايات المتحدة الأمريكية.
من الصعب المقارنة بالديمقراطيات الغربية العريقة، ولكن «التصنيف» الذي ابتلي به مجتمعنا وصل إلى مراحل متقدمة، تقود لإلغاء الآخر المختلف، حتى أصبحنا نتخلى عن القضايا الهامة، ونتفرغ لتصنيف هذا وذاك، وقراءة النوايا، والخاسر الأكبر هو المجتمع، والذي يعتقد الجميع أنهم يسعون لخدمته !!، وقد بلغ الأمر درجة أن يتجاهل البعض الخدمات التي يقوم بها أحد المسؤولين، ويتهمونه بالحزبية!!. وفي ذات السياق، يتم تجاهل طاقات مؤهلة، فقط لأن البعض قد صنفها على أنها تتبع لهذا التيار الفكري، أو ذاك، مع أن هذا التصنيف قد لا يكون صحيحاً. ومن المعلوم أن معظم التصنيفات تكون نتيجة لخلافات شخصية بين الأضداد، وسبق أن كنت شاهداً على قضايا تصنيفات لم تكن مبنية على أي أساس منهجي، بل عطفاً على رؤى، أو مظهر خارجي، أو خلافات شخصية بحتة!!.
لا أبرئ نفسي، ولا أبرئ أي من الزملاء من الدخول في لعبة التصنيفات. هذا، ولكن الأمر وصل درجة لا يمكن معها إلا التوقف، ومراجعة النفس، إذ وصل الأمر درجة الاستعداء، والمطالبة بمعاقبة الآخر المختلف، وهو ما يجعل ذلك الآخر يتحين الفرصة، ويستعدي هو الآخر، من باب الانتقام، وهذه تقود حتماً إلى صراعات لا تنتهي، وتجلب الفرقة، والتناحر، وهذا يكون على حساب القضايا التي تهم المواطن البسيط؛ وبالتالي فإن التوقف عن التصنيف والإقصاء أصبح مطلباً ضرورياً، ولا أرى ما يمنع من الاستفادة من قدرات الجميع، خارج إطار التصنيفات، والتي ليست دقيقة على أي حال، وحتى لو افترضنا جدلاً أن بعض هذه التصنيفات صحيحية، ولا تتعارض مع الثوابت التي قامت عليها البلاد، فإن أصحابها لهم مريدوهم، ممن تروق لهم أطروحاتهم، ونهجهم الفكري، وبالتالي فإن الاستفادة من هؤلاء، وجمع الأضداد على طاولة واحدة، سيكون من نتائجه تلاقح الأطروحات الفكرية، التي تمثل كل أطياف المجتمع، والخروج بنتائج ترضي الجميع.
ولنا في مجلس الشورى، والذي يجمع كل الأطياف مثال حي على ذلك، ولا يجب أن يكون هناك خوف غير مبرر من هذا التيار أو ذاك، طالما يخضع الجميع للمعايير التي تقوم عليها البلاد، ولنعتبر ذلك شئيا يشبه «الحكومات الائتلافية» في البلاد المتقدمة، فالحكومة الائتلافية ستقود حتماً إلى «مجتمع ائتلافي»، وهذا هو المطلوب. أليس كذلك..؟.