د. عبدالعزيز الجار الله
يعد من الإنجازات الحضارية التي أعلن عنها مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة بحصره (117) موقعًا من المعالم التاريخية والأثرية الداخلة ضمن مشروعات التوسعة الحديثة للمسجد النبوي، شمل مساجد وآباراً وجبالاً ودوراً ارتبط بعضها بالسيرة النبوية، كما تم إسقاط المواقع المحددة على خريطة المدينة المنورة. وينتظر من مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة أن يستكمل جميع المواقع الأثرية والتاريخية بمنطقة المدينة المنورة، كما ينتظر من مناطق المملكة أن تحذو حذو المدينة المنورة وتأسس كل منطقة ومدينة مركزاً حضارياً للبحوث والدراسات يهتم برصد وتوثيق والتوقيع الجغرافي على خرائط:
المواقع الأثرية.
المواقع التاريخية.
المباني التقليدية.
التراث العمراني.
بالتعاون مع هيئة السياحة كأساس لهذا المشروع، وزارة البلديات للكشف عن مخططات الأراضي، وزارة العدل لتحديد الملكية، وزارة الداخلية للحماية ومنع التعديات، إمارات المناطق لتسهيل الإجراءات والتنسيق.
في التحولات الحضارية التي عاشتها المملكة منذ تاريخها القديم في عصور ما قبل الإسلام والعهد الإسلامي وقيام الدولة السعودية وعصرنا الحاضر هناك سجل حضاري اندثر تحت حركة التنمية الشاملة في مدن وقرى وهجر المملكة، والآن ندخل في مشروعات جديدة تمثلت في: الأنفاق الأرضية، الجسور السطحية، القطارات تحت الأرض، قطارات وطرق بين المدن، مشروعات إسكانية. ستشمل معظم المناطق، وهذا يعني خريطة جديدة للطبوغرافيا العمرانية و(الديمغراغيا) السكانية للمملكة وقد رافق وسيرافق بالمستقبل هذه النهضة التنموية تغيرات في وجه المدن والمساحات المحيطة في ضواحيها وربما يشمل إزالة معالم أثرية، أو مباني تاريخية، أو طرزا معمارية.
سبق للمملكة أن عاشت هذه التجربة اضطرت عليها للتوسع في محيط المدن واستيعاب التنمية وزيادة عدد السكان بعد الاستقرار السياسي والاقتصادي في الدولة الحديثة التي أسسها الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ومن نماذج التغيرات السكانية التي لها تأثير على المنشآت الأثرية واختفاء المباني التاريخية:
المرحلة الأولى: الانتشار السكاني في عهد الملك عبدالعزيز عرفت المرحلة بالتوطين الأول (توطين البادية) بإنشاء الهجر والقرى في بداية التأسيس، استخدمت موجودات البيئة والطراز المحلية.
المرحلة الثانية: ظهور الطراز الشرقي والعمارة الأسمنتية في عهدي الملك سعود والملك فيصل يرحمهما الله، حيث بدأ التغير العمراني ظاهراً على وحدات المباني والطراز المعماري.
المرحلة الثالثة: الطفرة الاقتصادية الأولى عام 1975م، وهي تغييرات شاملة للمدن والحواضر السعودية، بداية الخطط الخمسية وافتتاح صندوق التنمية العقاري وتوزيع أراضي المنح على السكان واعتماد مخططات أراضي جديدة، ونتج عنها استبدال معظم مباني الحجر والطين بنظام مباني العمائر والفلل ذات الطراز الغربي وتمددت المدن، إضافة إلى زيادة في المساحات الزراعية، وبدأت تظهر البنايات الزجاجية الشاهقة.
المرحلة الرابعة: الدورة الاقتصادية الثانية (الطفرة العمرانية) عام 2004م نشأت معها الطرق والقطارات بين المدن وإنشاء المدن الإنتاجية: الجامعية والطّبية والصناعية والاقتصادية. والتوسع في مساحات المدن.
نتيجة للتحولات والتغيرات السكانية فإن كل مرحلة اخفت المرحلة التي تسبقها تقريباً، ومعها تلاشت المنشآت الأثرية والعمارة التاريخية والطراز التقليدي.