د.ثريا العريض
خلال السنتين الماضيتين ناقشنا في مجلس الشورى عشرات التقارير، وأجد أن هناك تفصيلات تتكرر تقريباً في أغلبها:
1 - أن الكفاءات الوطنية المطلوبة للعمل غير متوفرة أو بأعداد غير كافية، أو أن الحوافز و المكافآت المادية المعتمدة لا تجذبها. 2 - أن الجوانب المتعلقة بالتشغيل والصيانة يعتمد فيها على الأيدي والمهارات المستقدمة.
3 - أن هناك حاجة للاجتذاب عبر التحفيز، وللتأهيل عبر التدريب.
تكرر هذه التوصيات في التقارير الرسمية يدل على أن الحاجة إلى التوطين بشقيها، توطين المهارات وتوطين التقنية، مطلب جوهري ومصيري في كل مؤسساتنا. ولو، لا سمح الله، حدث ما يدعو ملايين الوافدين بكل مستويات مهاراتهم لمغادرة البلاد اليوم لتوقًفَت الخدمات العامة والاقتصاد، وتعذرت الحياة لتوقُفِ التشغيل والصيانة وحتى أعمال الإسعاف والنظافة.
الحمد لله الأمر لم يكن خافياً، وإن هناك تجارب ناجحة لتوطين التقنية والمهارات تمت بنجاح واضح في مؤسساتنا الكبرى في الصناعة النفطية بأرامكو السعودية، والتعدينية في شركة معادن، والتصنيعية في شركة سابك. وبقي القطاع العام.
وقد عايشت شخصياً بدء تجربة أرامكو في السعودة، وشاركت في وضع مخططاتها وبرامجها للتوطين: بعد أن كانت تعتمد على توظيف اليد العاملة الآسيوية في الوظائف الدنيا والصيانة، واليد العاملة العربية في الوظائف الكتابية واللغوية، والأوروبية في سكرتارية التنفيذيين، والوظائف الإدارية الوسطى، والأمريكية في الإدارة العليا. اليوم أرامكو حققت التوطين الكامل في الإدارة العليا وفي بعض الإدارات المختصة بالتنقيب والإنتاج وأمن المنشآت، وتقترب من التوطين الكامل في بقية مجالات التوظيف.
أفخر بمنجز الشباب السعوديين الذين كانوا أوائل من تخرج من برامج التدريب على تشغيل الأجهزة الطبية المتطورة، والمرافق العامة بما في ذلك خدمات الإسعاف والدعم الطبي، والمطافئ والطوارئ والأمن؛ وعلى برمجة وصيانة أجهزة التكييف والكهرباء وشبكات المياه والغاز والاتصالات بالحاسب والهاتف والشبكة العنكبوتية. وحققوا في وظائفهم تميزاً في الأداء وترقوا الى رتب أعلى مجزية.
وهنا مربط الفرس؛ القول بأن الشباب السعوديين لا يقبلون بأي وظيفة ميدانية يعني فقط أنهم لا يقبلون بمردود مادي ضعيف كما يقبل الوافدون. وأن بالإمكان تحفيزهم للإبداع في الأداء بعد التدريب الجيد. فإذا شئنا التوطين فإن علينا النظر في الحوافز الجاذبة وتوفير برامج للتدريب، داخلياً وعبر الابتعاث المدروس الى دول متمكنة في مجالات العمل كألمانيا، واليابان مثلاً.
هناك خبرات وروافد محلية يمكن الاستفادة منها في التدريب: أرامكو، ومؤسسة التدريب المهني، ووزارة التعليم والمعاهد الصحية والتقنية والكليات.
برامج أرامكو في التدريب ما زالت قائمة ويمكن أن تتوسع ويضاف إليها الإشراف على تدريب غير منسوبيها، ويمكن الاستفادة من متقاعدي أرامكو في هذه المجالات.
مؤسسة التدريب المهني والمعاهد عليها أن تضع برامج ريادية أكثر ارتباطاً بتطور الاحتياجات التقنية بدلاً من البرامج المركزة على خدمات تقليدية بسيطة معتادة للنساء كالمشاغل والتجميل والخياطة. و لجمعية ود الخيرية تجربة تحتذى في تدريب الفتيات على أعمال الصيانة للمنازل.
والمدارس يمكن أن تدخل في مناهجها الأولية تدريب الصغار في المهارات التقنية بدءاً بالحرفية، والمعاهد والجامعات يمكن أن تستحدث تفرعات جديدة للتخصصات التقنية في برنامج السنتين أو الأربع.
ثم وزارتا الخدمة المدنية والعمل تقرران الرواتب والحوافز والبدلات بعد دراسة اقتصاديات السوق. وبهذا نبدأ الخطوات الأولى لإنجاح مهمة التدريب والتوظيف وتحقيق الهدف النهائي: التوطين والقضاء على البطالة وحماية الدخل من الهدر والتسرب.