د.ثريا العريض
مع كل الجهود التي تبذل رسمياً لتصحيح أوضاع المجتمع، كيف نقيم اندماج الشباب السعودي في سوق العمل؟ وما هو الدور المنتظر لمؤسسات المجتمع المختلفة لدعم الشباب؟
كثيراً ما نسمع ونقرأ تهماً قاسية تستهدف الشباب السعودي مؤكدة عدم صلاحيته للتوظيف الجاد، بحجة عدم التأهيل وافتقاد الالتزام بقيم وآداب العمل الوظيفي. قد يكون ذلك أقرب إلى وصف حقيقة كانت في زمن أسبق. أما الآن فالشباب السعودي أكثر وعياً بضغوط الساحة وأكثر تجاوباً معها من الجيل الذي سبقه على مقاعد الدراسة في الثمانينات معايشاً فترة الطفرة المادية، واعتياد أخبار تحقيق النجاح مادياً دون بذل جهد حقيقي. وفي التسعينات عايش فترة الصحوة التي حولت الاهتمام من قيم العمل وبناء الذات، إلى ضغوط الشعور بالذنب والرغبة في التكفير عن فرحه بنعم الله عليه، وتهميش دور الاستمتاع ببذل جهد والعمل الذاتي لتحقيق النجاح.
أما الجيل الأحدث قبل عشرة أعوام فقد عايش مرحلة ضمور الفرص أمام طموحات الفرد، وتابع ما حدث للجيل الأسبق منه، ورأى تنامي صفوف طالبي الوظيفة والمصنفين ضحايا البطالة والعطالة. الآن بدأ انقشاع غبار التوقعات غير العقلانية، وتراجع خيار الاستسلام للتحبيط الإيديولوجي. وبتصاعد الشعور بضرورة تحقيق التوازن والإنجاز الذاتي أصبح الاستقرار والحصول على وظيفة هدفاً أساسياً.
ولذلك، فالاستعداد للعمل والترحيب بفرص التدريب الوظيفي والبحث عما يبني المهارات التنافسية أضحى بالضرورة تصرفاً مستجداً لم يعتد جيل الشباب تقبله من قبل.
الخطوة الراهنة هي توسيع مساحة التقبل لتخرج عن أطر المعتادات القديمة، أطر تفضيل التوظف في وظائف مكتبية وإدارية بعيداً عن العمل الحقلي، والتعيين بناء على الشهادة العامة وليس التخصص، وغالباً بمساعدة واسطة تسهل له فرصة تفضيله. الآن يعي الشباب أنه ينافس اليد العاملة والعقول المستقدمة من الخارج بتكلفة أقل.
وأنه لابد أن يغير من توقعاته وتفضيلاته ليستطيع الفوز في سباق الحصول على مصدر للدخل والنمو اقتصادياً، إما بالحصول على وظيفة واعدة، أو بجرأة القيام بمشروع خاص والسعي للحصول على دعم له.
تغير إيجابي رغم أنه ما زال يقترن بالشكوى والتذمر ومقاومة بعض المجتمع للتغيير. فما المطلوب من المجتمع؟
المطلوب هو تقديم كل دعم يحتاجه الشباب ومن كل مؤسسات محيطه. وهذا هو التوجه الرسمي الآن ومن أعلى مستوى لتأصيل مبدأ مشاركة الشباب في تحمل مسؤولية بناء نفسه وتحديث وعي المجتمع والمساهمة في دعم اقتصاد واستقرار الوطن.
ومن المؤشرات المطمئنة على سلامة وجهة المستقبل أن آخر هيكلة لمجلس الوزراء شملت تعيين وزراء شباب في مناصب صنع قرار أعلى يمس ملايين المواطنين في التعليم والصحة. وأرى أنهم كشباب سيكونون إضافة مثرية للفريق المخضرم في المجلس. شيابنا أثرى تجربة وخبرة؛ ولكن الشباب أقرب إلى تفهم احتياجات فئة المواطنين الأقل من 30 عاماً، وهي تمثل 70% من المواطنين.. فهم الأقرب إلى ملامسة الواقع المادي والمعنوي لغالبية المواطنين في مجتمع متحيز بأحكامه حولهم.