د. خيرية السقاف
كلمة تعني «كفاية» في لهجات بعض المناطق الدارجة في مجتمعنا، وتعني «بَس» في بعضها الآخر،
يعني بلغ الحد منتهاه، وما عادت هناك حاجة مما يُقدم.. إن كان مما يؤكل أو يشرب، لكنها تعني في مواقف أخرى النهي عن الكلام، وإيقاف الجدال، والامتناع عن الفعل.. والإلماح للخطأ، أو التنبيه إلى المشين لتكون «خلاص» و»بس» نهرا، أو منعا، أو ضبطا...
قالت لي: «لو كنتُ أملك القدرة للتعبير عما يدور في خلدي عن الصورة الطريفة لهذه الكلمة الآن لأمسكت بالقلم وسجلت ما يضحك..»
ذهبت معها أتخيل وجوها غاضبة، وأخرى حانقة، وبعضا مترددة، وملامح دهِشةً، وجباها مقطبة، وألسنة متعثرة، وأقداما مترددة، وأصواتا تخفت، وأخرى تنقطع بمجرد نزول «خلاص»، أو أختها «بَسْ» المسكتة في أسماع أصحابها..!!
دعتني لأكتب.. لأتخيل ما تخيلت هي..
وكثيراً ما يحدث أن تلعب هذه الكلمة الدارجة دور عصا المربي، وسوط المعاقِب، ومحرك الضمير، والناهي عن الاستفاضة، والمانع عن التمادي، والموقِف لهدير الخطأ، وسيل التجاوز، أوعند قلة الحيلة، وخور النفس البشرية الشاكية جوراً، أو ظلماً، أو ضعفاً، أو حاجة، أو علة، أو حزناً، أو ألماً...
لكنها الرشيقة الرقيقة حين تمتد يد بقطعة حلوى، أو فنجال قهوة فتخرج بابتسامة رقيقة: «خلاص» شكراً، أو «بَسْ» من فضلك..!!!
لكنها الحادة القاصمة حين تنزل بمن ليس له حد يصده، ولا يردعه ضابط يرده، في سلوك ما لا يليق بالموقف، أو لا يليق بالواقف فيه..!!
فيما هي الزافرة قنوطا، ويأسا، وبؤسا حين تدلهم بالمرء السُّحبُ..، ويسوِّرُه ضعفٌ لا يستوي مع الصبر، والتوكل.. وشيم الموقنين في الرحمة الإلهية ..
لكنه الإنسان في كل حالاته قويِّها وضعيفِها، تامِّها وناقصها..
إن هناك كثيراً من الألفاظ الدارجة تختصر التعبير، وتؤدي الدلالة، ولا تفرغ من القيمة في مقام الحالة...!!
والآن،
«خلاص» ...، قد قلت ما شاءت هي أن يصل من معنى لهذه الكلمة..
بعد أن انفرطت مسبحة الكثير من القيم، والمقاصد النبيلة، وأنسجة الجمال في حياة الناس،..
بعد أن تمادى الطوفان الدنيوي بهم،..
بعد أن تفاقمت شهوات الأكل بكل أنواعه بينهم..،
وغدا التفريط سمةً، وسلوكا..
و»فاض الكيل»..!!
وليس لهما إلا ضابط «خلاص»،... و»بَسْ.. بَسْ»...
بالأسلوب الذي يعرفه الجميع..!