د.ثريا العريض
قبل مدة ليست بعيدة نشرت شركة أرامكو السعودية عرضا مرئيا لتقرير سمته «إرهاب الشوارع». كان الهدف منه التوعية و الثقيف عن حوادث السيارات ونتائجها المفجعة يوميا، وتضمن التقرير أرقاما تثير الرعب، و لكنها حقيقية مع الأسف.
واضح من متابعة الأخبار اليومية أن هناك خللا كبيرا يشي به تصاعد أخبار الحوادث المرورية كل يوم وفي كل المدن و المناطق.
ما يجعلني أتساءل إن كانت بيننا كمجموع عام أغلبية دخلت عصر التقنية وظلت متخلفة عنها في تشبثها بثقافة بدائية عند التعامل مع الغير. إذا يبدو أنه لم يتغير في العموم الا تصرفاتنا الاستهلاكية وقدرة الشراء والاستقدام.
نتيجة لتكاثر السيارات والسائقين المشبوهي التأهيل والمهارة، وانعدام ثقافة الالتزام بالأنظمة ، ومنها نظام المرور، وضعف جهاز المرور نفسه، أمسينا و33% من الأسرة في المستشفى يشغلها ضحايا الحوادث. هذا غير أعداد القتلى يوميا، وبينهم أحيانا عائلات كاملة.
خلال العقود الثلاثة الماضية فقدنا أعدادا من الشباب، إن لم يكن الى الموت مباشرة فإلى حالات من الغيبوبة أو الإعاقات البدنية الشديدة و فقدان القدرات الجسدية و الذهنية. مرارا توجعت من القلب مع فواجع زملاء وجارات وصديقات غاليات كانوا ينتظرون تخرج أبنائهم من الثانوية أو الجامعات، فانتهوا بحادث مفاجئ الى الموت أو كرسي الإعاقة.
هذه المآسي المفجعة دفعتني يوما الى حوار مع شاب لا أعرفه صادف أن رأيته يُنزل من سيارته محمولاً إلى كرسيه المتنقل متجها مثلي الى المستشفى. سألته ما الذي يرى إمكانية فعله لتسهيل أوضاع ضحايا فقد قدرة الحركة؟ ولعله استبشر خيرا فقاوم خجله المبدئي واستفاض في الإجابة: «نحتاج لبرامج توعية للمجتمع حول ضرورة الالتزام بقوانين المرور. و نحتاج لتوفير الكراسي المتنقلة والسيارات المعدة لاحتياجاتنا؛ وإلى تفعيل احترام حق المعاق في أماكن الوقوف المخصصة له، وإلى تصميم مداخل بكل المباني لتسهيل الصعود بكرسي، وإلى تخصيص مسار لذوي الاحتياجات الخاصة معد بتصميم يناسب وضعهم عند مراجعة الجهات الحكومية والبنوك وجوازات المطار.
فعلا، لم أر في أي بنك زرته كونترا مخصصا خفيض المستوى صمم ليناسب وضع المعاق. ومؤخراً في مطار الرياض آلمني أن أرى معاناة مسافر يدفع كرسيه مرافق اضطر الى التماس العون من الواقفين في خط المغادرين لكي يمر الى الجوازات. كل المطارات بها مسار خاص لذوي الاحتياجات ومطاراتنا الفخمة لا نجد فيها هذا المسار.
كل هذا يعني أنه لابد من أخذ موضوع الإعاقة بجدية ومن عدة زوايا:
إعادة دراسة نظام المرور مهمة ، و أهم منها التأكيد على تفعيل تطبيق عقوباته حتى يصبح احترام النظام و الالتزام به هو العرف.
لتعديل التصرف في الحيز العام يجب تصحيح أخطاء التنشئة وتغيير السائد المجتمعي، حيث يسود احتقار النظام واختراق الإشارات الحمراء والالتفاف الخطأ و تجاوز السرا وتجاهل حق الآخر. ويعتبر كل ذلك شطارة في التصرف. هي مظاهر لسوء أخلاق تتصاعد لحد إحداث كوارث وجريمة تستلزم المحاسبة والعقاب.
ضروري تصحيح الثقافة المجتمعية حول احترام النظام وحق الآخر وآداب السير والسياقة. والتصحيح يبدأ بتضمين المنهج المدرسي ضمن مادة التربية الوطنية والأخلاق محتوى يتعلق باحترام الأنظمة والتصرف الصحيح في الحيز العام.