يسألني أحدهم، ما الذي تعنيه زيارات رؤساء دول العالم يومياً إلى المملكة ولقاءاتهم بملك البلاد سلمان بن عبدالعزيز، في ظاهرة غير مألوفة،وبهذا العدد الكبير والمهم، دون أن تفصل بين زيارة زعيم وآخر سوى بضع ساعات، ويسألني آخر عن تقييمي لهذه الزيارات، من حيث عائدها الأمني والاقتصادي والسياسي والتعليمي والصحي على المملكة، وأسئلة أخرى كثيرة يلقيها على مسامعي عدد من المنتشين بهذه الزيارات، المؤملين منها الخير الكثير للمملكة.
***
ولا أملك من المعلومات ما أجيب به عن مثل هذه التساؤلات، سوى قراءة لما آراه، وتحليل لما تفضي به هذه الزيارات من أخبار ومعلومات محدودة، فأقترب من المشهد بقدر ما تساعدني به هذه المشاهد الجميلة في التعرف على هذه الزيارات التي ضمت رؤساء دول عربية وإسلامية وأوروبية وأمريكية ومن دول شرق آسيا وغربها، في ظاهرة لم نر مثلها نوعاً وحجماً وتوقيتاً كما رأيناها الآن في عاصمة المملكة العربية السعودية.
***
أقول بدءاً، إن مكانة المملكة في التصنيفات والتحليلات والقراءات لدى صناع القرار في العالم وفي وسائل الإعلام العالمية تغري الجميع للتواصل وبناء أوسع العلاقات الثنائية معها، في ظل ظروف صعبة وغير مستقرة في منطقتنا وعلى مستوى العالم أمنياً واقتصادياً، وأن ما تتمتع به المملكة من قيمة كبيرة ومكانة عالية في أكثر من حقل وأكثر من ميدان يجعل منها دولة جاذبة للتفاهمات الإيجابية مع دول العالم لبناء ما يحفز ويشجع القيام بمثل هذه الزيارات غير العادية للمملكة.
***
وأقول ثانياً، إن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بشخصيته ومكانته بين زعماء العالم وثقتهم بآرائه وما اعتاد أن يعبّر به عن مواقفه من مجمل القضايا العالمية، والشعور القوي لدى ضيوف المملكة بدور إيجابي يمكن أن يلعبه هذا الزعيم في خدمة السلم والاقتصاد العالميين هو من بين ما شجعهم على الاقتراب منه ومن بلده، وزيارته للتعرف على وجهات نظره في القضايا الحالية والمستقبلية المستعصية، إضافة إلى التعاون الثنائي المشترك.
***
ولهذا فإن الهدف من هذه الزيارات اليومية المتتالية لزعماء العالم للمملكة ولقاءاتهم بالملك سلمان، والنتائج والاتفاقات التي توصلوا إليها وأعلن عن بعضها، إنما تمثّل حرص دول العالم على إبقاء علاقاتها قوية ومتنامية مع المملكة، وتوطيد هذا التميز والمتفرد في هذه العلاقات بإضافات جديدة تستفيد منها المملكة والدول التي تخطب ودنا بما تعرضه من أفكار ومقترحات ومجالات تعاون تلبي احتياجات المملكة وتطلعاتها نحو مستقبل أفضل.
***
بعض الزعماء تتركز مباحثاتهم على الجانب الاقتصادي، وآخرون تقتصر على التعاون الأمني، ومنهم ممن يكون الهدف من الزيارة تفعيل التعاون بشكل عام وتطويره وتوسعة مجالاته، اعتماداً على مؤشرات النجاح التي تحققت من التعاون القائم حالياً، بما أذنت وشجعت بعرض مقترحات أخرى ومجالات جديدة للتعاون بين المملكة وهذه الدول، وبما جعل خادم الحرمين الشريفين مضيفاً بشكل يومي لزعماء العالم، وباحثاً هو الآخر عن فرص جديدة مع هؤلاء الزعماء لمشروعات واعدة تخدم شعب المملكة.
***
لا أعتقد أن دولة وزعيماً نالا كل هذا الاهتمام وبهذا المستوى كما نالته المملكة وملكها سلمان، بما فيها الدول الكبرى، وليس لهذا من تفسير عندي إلا أن هذه البلاد بسياستها وحكمة قادتها، ودورها المسؤول في حفظ السلم العالمي، وعدم تعريضه للخطر، هو الذي حرك الرغبة لدى زعماء العالم ليزوروا الرياض، ويلتقوا بالملك سلمان، ويعبروا عن استعدادهم للتعاون مع المملكة بوصفها دولة تحترم التزاماتها واتفاقاتها، وتقدر عالياً كل يد ممدودة لها لتحقيق آمال الشعوب، وهكذا يقترب العالم منا ونقترب منه في علاقات متوازنة، يحترم فيها كل جانب الجانب الآخر، ضمن رؤية مشتركة، وتوجه سليم، يحقق النفع والمصلحة للجميع.
***
لهذا لم أستغرب حين فاتحني زميل ذات صباح مبكر، وهو يعبر عن سعادته بما يراه من حركة غير عادية في مطار الملك خالد، متسائلاً ألا يستحق هذا الحضور العالمي أن تدخل بلادنا «موسوعة جينس للأرقام القياسية»، فهذا زعيم تودعه الرياض وآخر تستقبله، فيما لا يزال هناك من ينتظر تحديد موعد له لزيارة المملكة والاجتماع بالملك سلمان، فالرياض أصبحت محطة اجتماعات ولقاءات ومباحثات لأكثر وأهم زعماء العالم، والتواجد على طاولة الملك سلمان بن عبدالعزيز لبحث آفاق التعاون أصبحت رغبة عالمية، فسلمان بن عبدالعزيز، وازن بين نظرته التنموية للداخل الوطني ونظرته الخارجية بتوحيد الصف العربي والإسلامي والعالمي تجاه بناء الإنسان وحمايته، وهذا جانب من السر في تواجد زعماء دول العالم بيننا، إنها فرصة لإطلاق الأسئلة المشروعة والمثيرة، ومن ثم الإجابات المتفائلة عنها.