عندما استُشهِد الملك فيصل - رحمه الله - وبينما كان المواطنون في وَجَل وخوف وقلق على ما ستؤول إليه الحال بالبلاد بعد استشهاده، إذا بالانتقال السلمي والسلس يتم بهدوء في يوم وفاته بمبايعة الأمير خالد ملكاً والأمير فهد ولياً للعهد، وبالتالي طويت آنذاك صفحة التخمينات والتخرصات والتكهنات التي كانت تتناقلها وكالات الأنباء العالمية، ومع هذا التحول السريع في انتقال السلطة من ملك إلى ملك، تأكد للعالم بأن نظام الحكم في المملكة يعتمد أولاً وأخيراً على الفهم والتفاهم والتآخي بين أفراد الأسرة المالكة والتأييد من المواطنين.
* * *
ويومها، وبعد أن استقرت مسؤوليات القيادة في شخص خالد بن عبد العزيز وولاية العهد بيد فهد بن عبد العزيز - رحمهما الله - كان أول إجراء تم بعد ساعات من هذا التحول الدستوري أن صدرت الأوامر الملكية بتشكيل مجلس الوزراء الجديد من شباب كانوا قد عادوا إلى المملكة منذ وقت قصير وهم يحملون شهادات الدكتوراه في تخصصات مختلفة، ليطلق على وزارة الملك خالد آنذاك بأنها وزارة الدكاترة، وها هو الملك سلمان وبعد تسلم قيادة المملكة بوقت جد قصير، يخص أغلب حقائب وزارته بكفاءات من الشباب، ما يظهر أن الملك سلمان كان حاضراً ومؤيداً وصاحب رأي ومشورة مع أمراء آخرين في تشكيل وزارة الملك خالد بن عبد العزيز، بدليل أنه يكرر التجربة نفسها مع بدء ممارسته لمسؤولياته ملكاً للمملكة.
* * *
الجديد في وزارة الملك سلمان بن عبدالعزيز، أنه اعتمد على شباب من القطاع الخاص خلافاً لما جرت عليه العادة والعرف، حيث كان التوجه يتم عادة نحو القطاع الحكومي لاختيار الوزراء من ذوي الخبرة والمؤهلات العلمية العالية عند تشكيل مجلس الوزراء، بينما هي الآن وبتشكيلتها الجديدة في عهد الملك سلمان إنما تعتمد في عدد من الوزراء على العناصر الشابة، ذات التنوع في الخبرات، والتخصصات المختلفة، وتحديداً ممن كانوا يعملون في القطاع الخاص، ذوو الثقافة، والممارسة، والخبرة، التي يبدو أنها ستنحو في عملها وبحسب توجيهات الملك سلمان نحو تجديد مسار سياسة مجلس الوزراء في تعامله مع شؤون الدولة.
* * *
علينا أن نتذكر أن الملك سلمان أبقى على عدد كبير من الوزراء ممن شغلوا حقائب وزارية في وزارة الملك عبد الله - رحمه الله - حيث الخبرات والتجارب والنجاحات المسجلة لهم، وجميعهم من المدرسة الحكومية، أي أن الوزارة الجديدة تضم إلى جانب هؤلاء وجوهاً بعضها يحمل حقيبة وزارية لأول مرة وتم اختياره من القطاع الخاص، والوزارة بذلك إنما هي خليط من الكفاءات في القطاعين الخاص والعام، أي أننا أمام مدرستين في التجارب والخبرات، بمعنى أننا أمام وزارة كفاءات وقدرات قادرة على ترجمة طموحات وتطلعات الملك سلمان ومعه المواطنون.
* * *
من المبكر الحكم على الوزراء الجدد، لكن إشارات وإضاءات إعلامية صدرت عنهم، وقد فهمنا من خلالها شيئاً عن أسلوب إدارتهم للعمل، مما طمأن المواطنين على أنهم أمام تجربة جديدة أظهرت بوادرها وبداياتها أن البلاد لن تخرج عن الفضاء الذي يسمح بتحقيق النجاح المرتقب، لكن مثل هذا لا يمكن أن يتحقق دون مساندة المواطنين ودعمهم، فالوزارات بوزرائها ومسؤوليها ومن يعملون فيها، إنما وجدت لخدمة المواطن وتلبية متطلباته بعدل ومساواة مع أخيه المواطن الآخر، وهي بانتظار صوته ورأيه.
* * *
نحن إذاً أمام وزارة شابة، مسؤولياتها كثيرة وكبيرة، وثقة الملك سلمان بمن اختارهم وزراء فيها يجب أن تحفّزهم لمزيد من العمل، وتدفعهم إلى كثير من الإبداع، بما في ذلك العمل على إيجاد بيئة مناسبة لتوالد الأفكار، وتشجيع المبادرات، وبناء الثقة بين المواطن والوزير، ومكاشفة المواطن بما يرغب أن يتعرف عليه، ضمن خطة تستجيب لتوجهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وحرصه على أن تكون المملكة دولة عصرية ومتحضرة تتوافر فيها كل مقومات الحياة، مستفيدة من استقرارها وأمنها واقتصادها القوي.
* * *
لقد جاءت الأوامر الملكية الأخرى - غير إعادة تشكيل مجلس الوزراء - لترسم بوضوح اهتمام الملك سلمان بتفعيل عمل مجلس الوزراء، كون أكثرية أعضائه أعضاء في المجلسين (مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية) اللذين آلت إليهما جميع مسؤوليات المجالس واللجان العليا السابقة وعددها اثنتا عشرة لجنة ومجلساً، والتي كانت قائمة حتى وفاة الملك عبد الله، وهو إجراء ذكي انطلق من معرفة الملك سلمان بما كانت تقوم به تلك اللجان والمجالس من مسؤوليات، وما يمكن أن يقوم به المجلسان ضمن التنظيم الجديد، فالهدف تحسين الخدمات التي تقدم للمواطن، وتسريعها، وتطوير ما يتصل بهما من مسؤوليات ضمن خطط طموحة يقودها الملك السابع شخصياً.