يغيب صوته نهائياً الآن بعد أن غاب عنكم وعني خلال الشهور الماضية بداعي المرض. ومع وفاته ستختفي تلك الذكريات التي كان ينتشي سموه وهو يحدثني عنها، فيما كنت أسعد بها وأنا أستمتع إليها هاتفياً أو حين أزوره في منزله، ومثلي سيفقده كثيرون ممن أحبوا فيه تواضعه وسماحته وخلقه وطيب حديثه، لكنها إرادة الله تحيي وتميت، وهو على كل شيء قدير.
***
لقد كان صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن محمد بن عبدالعزيز يتمتع بكل صفات النبل والزهد والأخلاق والحرص على المسجد، يؤدي فيه يومياً الصلوات الخمس، فيلتقيه جيرانه وجيران المسجد وعامة الناس، فيجدون فيه ما حببهم به وحببه بهم، خاصة وأنه لم يقبل أو يفكر بالانتقال من منزله الحالي إلى منزل آخر في حي آخر؛ تمسكاً منه بجيرانه.
***
لقد عانى من المرض ما عاناه، وأصبح في الشهور الماضية نزيلاً دائماً في المستشفى، يرجو العفو والمغفرة المباركة من رب غفور رحيم، بينما كان كل من حوله ومن عرفه يشعر بالحزن متأثراً؛ لأن رجلاً نبيلاً بهذه الصفات، وأميراً شهماً بهذا الخلق، لن يكون بيننا بعد اليوم. وهكذا هي الحياة، قصيرة في أعمارنا وفي تمتعنا بملذاتها، فالرجاء والدعاء أن يكون فقيدنا - إن شاء الله- ممن يجد في آخرته ما يعوضه عن هذه الدنيا الفانية، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، خالداً مخلداً فيها، ذلك من فضل ربي يؤتيها من يشاء من عباده الصالحين.
***
لقد كنت أجد في سمو الأمير فهد، مع تواصلنا بالهاتف والزيارات من حين لآخر، من الخلق والبشاشة وحب الناس والتفاعل مع قضايا المجتمع، وفي ذاكرته القوية في سرد تاريخ الدولة السعودية ورموزها من الرجال العظماء وعلى رأسهم الملك المؤسس، ما حببني به وقربني إليه، وأشعرني أنني أمام مخزون من المعلومات المهمة عن مراحل تطور هذه البلاد، ما شجعني على التواصل معه، والشعور بالألم لانقطاع هذا التواصل في الشهور القليلة الماضية؛ بسبب الحالة الصحية التي كان يمر بها، ويتعذر معها أن يكون قادراً على التواصل مع محبيه.
***
وبوفاة الأمير فهد يكون - رحمه الله - قد انضم إلى من سبقه من الكبار الذين خسرهم الوطن، فترك لوعة وحزناً في كل قلب مكلوم في وفاته، فله منا الدعاء بالرحمة والمغفرة وطيب المقام بين يدي رب رحيم، ولذويه وأهله ومحبيه الكثر حسن العزاء وأعظم الأجر، سائلين الله أن يجبر مصيبتهم ويلهمهم الصبر والسلوان، ويتغمد فقيدهم وفقيدنا بواسع رحمته، إنه على كل شيء قدير.