أشرنا - في الجزء الأول من هذا المقال- إلى المسار الأول من المشروعات الإستراتيجية الثلاثة ذات الأفكار والخطوط العريضة المقترحة أمام ناظِرَي الملك سلمان بن عبدالعزيز من قراء صحيفة «الجزيرة» لمشروعات تنموية واعدة بأمل تحقيقها، وقد قصدوا من طرحها المشاركة في تحقيق التطلعات الطموحة للقيادة العليا بالسير بالوطن نحو آفاق جديدة، تحقق النمو والازدهار للوطن، والرخاء والسعادة للمواطن، وفي المسار الثاني نتناول اليوم أفكاراً أخرى لتفعيل ما أطلقوا عليه مشروعات تنموية، وبينها -كما يقترح القراء- إنشاء شركة خاصة بالبترول على غرار شركة سابك، بحيث تقوم هذه الشركة بأعمال البترول خارج منطقة أرامكو، فإنتاج البترول وتكريره وعلى مدى عقود مضت وإلى اليوم، تتولاهما شركة أرامكو، إلا أن ظهور عدد من الاكتشافات البترولية التي لم تقم أرامكو بتطويرها، يتطلب إيجاد شركة مساندة، تساهم بها صناديق الدولة والقطاع الخاص، وتملك الدولة حصة كبيرة من رأسمالها ويمثِّلها فيها شركة أرامكو للاستفادة من خبرتها، وكذلك من أجل التنسيق والتعاون بين الشركة المقترحة وشركة أرامكو، ويطرح جزء منها للاكتتاب العام، وتقوم هذه الشركة بتولي أعمال الإنتاج في المناطق البعيدة عن أعمال شركة أرامكو وفي الاكتشافات الجديدة، ومثل هذه الخطوة ستكون ذات فوائد عدة في خلق الفرص التنافسية وزيادة فرص الاستثمار داخل المملكة، كما أنها ستوجد آلاف الفرص لتوظيف المواطنين.
* * *
وضمن هذا المسار هناك اقتراح آخر بإنشاء مدينة للطاقة والصناعة تُسمى باسم الملك سلمان على غرار مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، مع إضافة صناعات أخرى كصناعة السيارات والمحركات ومواد البناء والصناعات المتوسطة والخفيفة، بهدف تغطية السوق المحلية والتصدير للخارج، وهذه أيضاً ستكون مهيأة لتوظيف عدد كبير من المواطنين، ويتضمن هذا المسار مقترحاً آخر، وهو إنشاء عدد من محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه على شواطئ الخليج والبحر الأحمر، بتقنية الغاز الصناعي، والمقصود بذلك أن تقنية الغاز الصناعي عند استخدامها سوف تساعد على استثمار مخلفات مصافي البترول، أي ما يتبقى في مصافي البترول من مواد ثقيلة بعد استخراج البنزين والديزل والزيوت، ومن ثم تحويلها إلى غاز صناعي نظيف بيئياً، بحيث يستفاد منه في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه، ويتوقع أن توفر هذه الخطوة للمملكة إذا ما تم تنفيذها، أكثر من 14 مليار دولار سنوياً تخسرها المملكة في حرق مادة البترول في توليد الكهرباء وتحلية المياه، وننهي المقترحات في هذا المسار بالدعوة إلى تطوير حقول البترول في البحر الأحمر، فهناك الكثير من الاكتشافات المهمة التي يعتقد القراء المتبنين لهذه الفكرة أنها ستكون منطلقاً لتأمين احتياجات المملكة من الكهرباء والمياه، وبخاصة إذا ما ارتبط ذلك مع إنشاء مدينة الملك سلمان للطاقة والصناعة.
* * *
المسار الثالث والأخير في حزمة مقترحات قراء «الجزيرة» التي نضعها أمام ناظِرَي خادم الحرمين الشريفين، يركز على المشروعات التي تتلمس احتياجات المواطن، وبينها النظر إلى الأمام في مجالات الصحة والسكن وفرص العمل، وذلك بأن يتم التأمين الطبي لجميع المواطنين من قبل الدولة، الذي تقدّر تكلفته ما بين أربعين إلى ستين مليار ريال سنوياً، ووضع خطة لبناء المستشفيات والمراكز الصحية، وتوصيل الخدمات الطبية لقرى ومدن ومناطق المملكة كافة، بوتيرة أسرع ومواصفات وتجهيزات أفضل، وأن تتولى لجنة المشروعات الإستراتيجية الكبرى -المقترحة- تنفيذ هذه المشروعات الصحية ومشروعات الإسكان، وفق الأنظمة والضوابط، وأن يكون دور وزارة الإسكان تسليم السكن لمستحقه، والتعاون مع الشركة المقترحة عند بدء التخطيط ومن ثم التنفيذ بممثل عنها، ومثلها في ذلك وزارة الصحة فيما يتعلق بالمنشآت الصحية، على أن يكون هاجس التوظيف وخلق فرص العمل للمواطنين ضمن الأولويات؛ انسجاماً مع اهتمام وحرص الملك سلمان وحكومته، وقد يكون من المناسب التوجه نحو المجال الصناعي بإنشاء المزيد من المدن الصناعية والشركات الاقتصادية العملاقة، نظراً لطبيعة المملكة وتكوينها الاقتصادي والاجتماعي، ما يعني أن هذا المقترح يمثِّل فيما لو تم تحقيقه، فرصة للحد من البطالة إن لم يتم القضاء عليها تماماً.
* * *
هذه الرؤى أو المقترحات أو وجهات النظر -سمّها ما تشاء- هي من بنات أفكار عدد من قراء صحيفة «الجزيرة»، وقد لا تبدو متكاملة أو مستوفية لما تطمح إليه القيادة، ولكن يمكن اعتبارها عناوين أو إشارات أو خارطة طريق لعمل أكبر يعتمد في جزء منه على هذه العناوين، مع تحسينها وبلورتها ووضع إطار سليم لها أو لبعضها، وهي أولاً وأخيراً صدى جميل للثقة التي يحملها المواطنون للملك سلمان بن عبدالعزيز، والقناعة بأن عهده سيكون عهد خير ونماء وتطور، ما يعني أن مشاركة المواطنين، ولو بمثل هذه المقترحات، هي في نهاية الأمر دليل على وعي وتفتح الذهنية لدى المواطنين، أو بعبارة أخرى، هو تطور إيجابي ومبادرة منهم في تحمّلهم لمسؤولياتهم والارتقاء بثقافاتهم نحو المزيد من العمل المنتج الذي يحتاج إليه الوطن والمواطن.