د. عبدالواحد الحميد
قالت الرئيس الكورية بارك كون التي تزور المملكة كلاماً مهماً في حضرة بعض الوزراء ورجال الأعمال السعوديين البارزين. فأثناء تبادل الكلمات في منتدى الأعمال السعودي الكوري الذي نظمه مجلس الغرف السعودية بالرياض قالت الرئيسة الكورية إن كوريا لن تنسى ما قدمته المملكة العربية السعودية من فرص النمو للشركات الكورية المتخصصة في مجال البُنى التحتية.
حديث الرئيسة الكورية يعيد إلى الذاكرة البعيدة ما اختزنته منذ ايام الطفرة الاقتصادية الأولى في منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي عندما حضرت الشركات الكورية إلى المملكة لاقتسام كعكة التنمية معنا والإسهام في بناء الطرق ومشروعات البنية التحتية الكبيرة. يومها كنا قد بدأنا ننفتح على نماذج العمالة الآسيوية وشركات الإنشاء القادمة من تلك البلاد البعيدة، وكنا نندهش من بعض ما كنا نراه من الجدية في العمل والأداء ونتأمل جوانب الاختلاف في العادات والتقاليد التي لم تَحُلْ دون استبسال العمالة الكورية في العمل الشاق تحت أشعة الشمس الحارقة في ظروف جوية مختلفة تماماً عما هو في بلادهم وظروف اجتماعية أشد اختلافاً.
في تلك الأيام كانت كوريا لاتزال تحبو وتتلمس طريقها لكي تلج في يوم ما إلى نادي عمالقة الاقتصاد في العالم جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبقية الدول المتربعة على قمة الاقتصاد العالمي. وما هي إلا عقود زمنية قليلة حتى انضمت كوريا إلى نادي الكبار في عالم الاقتصاد وأصبحت ضمن دول العالم الأول!!
نحن أيضا تغيرت أوضاعنا الاقتصادية كثيرا منذ ذلك الزمان، ولكن لازال البون شاسعاً بيننا وبين كوريا. فكوريا استفادت من تجارب الدول المتقدمة أفضل مما فعلنا وأحدثت إصلاحاً تعليمياً نهض بها إلى مصاف الدول التي يحصد طلابها الآن أفضل النتائج في مجال الرياضيات والعلوم الطبيعية، بينما لازلنا نتناقش حول مدى أهمية قضايا بسيطة حسمها العالم منذ مئات السنين ونخترع القيود التي نكبل بها أنفسنا والتي لم يعرفها أسلافنا حينما كانوا يقودون مسيرة الحضارة العلمية في العالم أيام الأندلس وبغداد.
حينما قالت الرئيسة الكورية إن الكوريين لا ينسون ما قدمته المملكة من فرص ثمينة للشركات الكورية المتخصصة في الإنشاء والتعمير والبنية التحتية قفز إلى ذهني مجدداً سؤالُ مؤرق: لماذا استطاعت الشركات الكورية وغيرها من الشركات التي عملت معنا في مسيرتنا التنموية أن تتحول إلى شركات عملاقة عالمية هائلة بينما فشلنا نحن في بناء كيانات سعودية كبرى في عالم المقاولات والإنشاء وظل رجال الأعمال عندنا متمسكين بدورهم التقليدي كوكلاء تجاريين شديدي الولاء للشركات الأجنبية التي تغدق عليهم الأرباح الهائلة مقابل تسويق منتجاتها في أسواقنا المحلية!؟
أتمنى أن يجد رجال الأعمال والوزراء السعوديون في خطاب الرئيسة الكورية الكثير مما يستلهمون منه الدروس في مجال التنمية الاقتصادية، فهل سيأتي اليوم الذي نصبح فيه مثل كوريا وهي الدولة التي اعترفت رئيستها بأن التجربة الكورية في مجال الإنشاء والبنية الأساسية في بلادنا كانت فرصة تاريخية كبيرة لشركاتها كي تنمو تتعملق؟ وهل نستفيد نحن بدورنا من الفرص التاريخية الكبرى التي قد لا تتكرر؟.