الثقافية - محمد هليل الرويلي :
يُعَدُّ معرض الرياض الدولي للكتاب الذي تنظمه وزارة الثقافة والإعلام بصالة المعارض بالرياض أحد أكبر المهرجانات الثقافية على مستوى الوطن العربي. فهنالك أكثر من مليون زائر يزورون هذا المعرض سنوياً، جميعهم مهتمون بشراء كم كبير من الكتب وحضور الندوات التي يشارك فيها العديد من كبار المثقفين. وقد أصبح المعرض في السنوات الأخيرة منبراً للحوار بين المفكرين والكتاب والجمهور. هذا العام ينطلق المعرض وفي أعين المثقفين والمثقفات العديد من الآمال والأحلام التي يتطلعون لتحقيقها. «الثقافية» في هذا الاستطلاع التقت ببعضهم لرصد عدد من انطباعاتهم ورؤاهم حول المعارض السابقة ومعرض 2015م.
ادعاء
الشاعر عبدالرحمن الحربي عضو مجلس إدارة نادي تبوك الأدبي الثقافي والمسؤول الإداري، وصف معرض الرياض الدولي للكتاب بالتظاهرة الثقافية الرائعة التي يتطلع إليها كل مهتم بالقراءة داخل المملكة وخارجها، وهو الداعم الأول للقاء الكتاب الورقي والباعث الحقيقي على التأليف، ولولاه لما كان هذا الزخم الذي يشهده الإنتاج الأدبي السعودي في كل الأجناس الأدبية. ولو أن إحصائية دقيقة قارنت بين مبيعات دور النشر وإهداءات أو مبيعات منصات التوقيع، لربما أظهرت نتائج الإحصائية تصدراً لإصدارات المنصات على الإصدارات الأخرى، إلا أن الوعي في اختيار الكتاب تغلب عليه شهرة المؤلف أو احتراف دار النشر في التسويق لإصداراتها، إلا أنه أيضاً يشير إلى ما يميز المعرض ويجعله هدفاً للمؤلف والناشر على حد سواء. واصفًا أن ما يحصل كل عام من مهازل مسرحية في منع كتاب فلان أو دار النشر الفلانية، فهو لا يتجاوز كذبة تسويقية لم تعد تنطلي إلا على السذّج. ولا أعتقد أن قراراً بالمنع يصدر من جهة رسمية في هذا العهد الذي يتربع على هرم قيادته الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو الذي أمر بطباعة كتاب ترجمه الدكتور محمد خير البقاعي من الفرنسية وكله مغالطات تاريخية تسيء إلى الوهابية، وحينما منع من قبل جهة ما... اتصل الملك سلمان حينها على الدكتور البقاعي وسمع منه وجهة نظره وأمر بطباعة الكتاب ونشره، وكان البقاعي يرى أن ترجمة ما يقوله الآخرون عنا تجعلنا نستطيع مواجهة الآخر وندافع عن أنفسنا ونصحح المفاهيم المغلوطة لدى الآخر عن تاريخنا! فبعد هذا الموقف ممن هو أولى بالدفاع عن الوهابية، لا أعتقد أن من يمنع كتاباً يسيء إلى الدولة أو العقيدة أو أي ثوابت أخرى إلا ساذجاً أو تبعياً أو له أجندته الخاصة!
تداخل
فيما وصف الكاتب شتيوي الغيثي المسافة ما بين اتجاهات القراءة للكتاب الورقي والإلكتروني بالمتراوحة، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه ليس من السهل الجزم بتفوق الكتاب الورقي على الإلكتروني، ولا الإلكتروني على الورقي، إذ هما مجالان متداخلان، فالواقع يعطينا صورة الكتاب الإلكتروني وكأنه ثورة معرفية، في حين أنها في حقيقته وفي غالب ما وجدنا كانت كتباً ورقية مصاغة على «bdf»، وقليل جداً هو الكتاب الإلكتروني بمعناه الإلكتروني الحقيقي لأسباب عدة، لعل منها أن الكتاب الإلكتروني يحتاج إلى برامج خاصة في تشغيله وتحميله ورفعه، إضافة إلى ضعف المسألة الحقوقية التأليفية أو المادية في العالم العربي الذي جعل كثيراً من المؤلفين أو دور النشر لا تسارع في إصدار الكتب الإلكترونية رغم كثر ة الإقبال عليها من الجيل الحديث، هذا غير أن الكتب الإلكترونية الموجودة حالياً هي كتب خفيفة وغير علمية من قبيل الكتب الذاتية أو السير أو الروايات الخفيفة، وليست تلك الكتب العميقة أو المرجعية أو غيرها، لذلك أرى أننا ما زلنا نبالغ في مسألة حضور الكتاب الإلكتروني، وأنه سينهي الكتاب الورقي أو يطغى عليه.
وأكد الغيثي أن أساليب المنع لم تعد مجدية، وكثيرًا ما وجدنا كتاباً في الشبكة العنكبوتية كان قد منع من المكتبات المحلية أو معرض الكتاب بما فيها أخطر الكتب السياسية والدينية والعقائدية والروايات الجنسية أو ذات النزعة الإلحادية، إذ نجد غالبها في الإنترنت موجودة ومتوفرة، إضافة إلى أن القارئ أصبح أكثر وعياً ويعرف ما يناسبه من كتب من غير وصاية أحد أو فرض المنع على الكتب التي لا تتناسب مع المجتمع لأسباب غير علمية، وإنما دينية أو سياسية. متطلعًا أن تتوافر الكتب بكل أصنافها وأشكالها من غير أي منع لأي اتجاه ديني أو حداثي أو غيرهما، مع برنامج ثقافي يليق بحضور هؤلاء الناس جميعهم وليست برامج باهتة لكي يكون مهرجاناً ثقافياً حقيقياً. مؤكدًا في الوقت نفسه أنه يبحث شخصياً عن كتب الشعر والرواية والفكر، وكلها تفضي بعضها إلى بعض، فالفكر يفضي للرواية والرواية للشعر والشعر للفكر وهكذا، وفصل كل هذه المجالات القرائية يجعل القراءة في تصوري ناقصة وليست عميقة بل هي سطحية.
وطالب الغيثي بثلاثة أشياء مهمة يرى أهمية وجودها بالمعرض، وهي مدى استفادة الناس مما يقرؤونه، والثاني أن يكون هناك برنامج ثقافي قوي مصاحب للمعرض ويهتم بكل الأطياف والأعمار، والثالث هو فتح مجال الحرية القرائية للناس وعدم الوصاية عليهم في قراءاتهم أو سلوكياتهم.
التوجيه
أما عضو مجلس إدارة نادي جازان الأدبي الثقافي الأستاذة هدى الخويري فتقول إن منع بعض الكتب لن ينفع، وهنا نقول أين دور التوعية المنظمة وليس التنكير، لِمَ لا يكون قبل المعرض هناك وسائل فكرية ممنهجة بمنهج وسطي خالية من الغلو تبين أن المملكة بلاد لا تنفع أن تكون محطة لعبور كتب كهذا. كلنا نستطيع «تحميل» كتاب ممنوع ولكن ماهية المنع ما يسقط الإنسان كان صغيرًا أو كبيرًا مسؤولًا أو مثقفًا هو أن نقف في وجه المجاهرة بالغلو، كان ذاك الغلو حرية أو تديناً، فالوسطية وسيلة حقة في جمع كلمة الجميع، على أن المساس بالله وحرمته والأنبياء والرسل هنا هي الخط الفاصل في الفرق بين الحرية والمجاهرة بعقوق الله ولأوامره ونواهيه. واختتمت الخويري حديثها «للثقافية» بأنها تجد نفسها أمام الكتب الروحية التي تناقش اللذات من الداخل، تهتم بالإنسان وروحه، لا تنكر الجسد وتؤمن بالروح «فلسفة» مؤكدة، في الوقت نفسه أن معرض الكتاب تظاهرة جميلة لا مظاهرة نفرز فيها غضبنا على بعض ما لا نرغب وجوده من قبل، وما أن يأتي معرض الكتاب فيكون بمثابة النافذة التي نمرر فيها ما يفسد وجه الحدث. معرض الكتاب هو مكان لاقتناص فرصة لا تأتي إلا كل عام مرة، ومن هذا المنطلق هي معرفة وكسب مهارة وتعديل سلوك وإصلاح يجعلنا أكثر ثقافة وأكثر وعياً عن ذي قبل.
صمود
فيما أكد مدير العلاقات العامة بجامعة الجوف الأستاذ جميل اليوسف على أن الإقبال المتزايد على معرض الكتاب سنوياً يعطي مؤشراً واضحاً إلى أن النسخة الورقية لا تزال تثبت بأنها تحافظ على مكانتها أمام ثورة الإلكتروني. لا تزال متعة القراءة مقرونة بالورقة لكونها نكهة الصداقة بين المثقف والكتاب تعتمد على مسك النسخة الورقية والاستمتاع بها، وشخصياً لا أستسيغ قراءة صفحة واحدة من كتاب أحبه على شاشة الجوال أو غيره، ولم يسبق لي قراءة كتاب واحد إلكترونياً. ويسعدني كثيراً حب المثقفين الواعدين للمطبوع وتبادل إهدائه والاحتفاظ به في مكتباتهم الخاصة. وقال اليوسف: إلى أن المنع بالأسلوب المتبع حالياً يعد دعاية وترويجاً لأي كتاب يقع تحت سيف الرقيب، والاعتقالات التي نشاهدها لبعض الكتب تخلق فيها أرواحاً تتجاوز الحدود دون المرور بغرف التفتيش المغلقة. المثقفون اليوم لا يعرفون حدوداً جغرافية ولا جوازات سفر وجمارك، والمنع لا يولد إلا الرغبة بالاستمرار، علاوة على أن معايير الفسح من عدمه تعتمد في حالات كثيرة على نظارة رقيب ومقص شخصي قد لا يكون محقاً دوماً. وأشار اليوسف إلى أن المثقف الحقيقي لا يحصر نفسه في نمط معين من القراءة والتذوق ومتعة التنقل بين صفحات الكتاب، لكنه وإن اختار ما يروق له من فنون الكتابة؛ فعليه التوسع في الاطلاع والقراءة كي تتنامى ثقافته بخطوط متوازية تزيد حصيلته وتعمق نظرته النقدية. المثقف الحقيقي لا يحجم عقله وذائقته ولا يمارس عليها القمع أمام سيل المؤلفات بأنواعها.
وطالب اليوسف تفعيل دور الأندية الأدبية في المعرض وعدم الاكتفاء بشرف الدعوة والحضور واستقطاب مثقفين شباب واستضافتهم من قبل وزارة الثقافة، وإشراكهم في ورش عمل ودورات تدريبية هناك حول التأليف والنقد وتفعيل دورهم في التنظيم والتواصل مع دور النشر. وإقامة الأندية الأدبية معارض سنوية في مناطقهم، لمد الجسور مع الشباب وتأصيل علاقتهم بالكتاب والنقد من خلال فعاليات تقام في تلك المعارض.
الأسعار
فيما وصف الشاعر والكاتب حمد الرشيدي الكتاب الورقي بأصل الثقافة، وسيظل الكتاب الورقي هو أصل الثقافة والقراءة والاطلاع. وأعتقد أن النشر الإلكتروني عندنا في منطقتنا العربية حتى الآن ما زال مرتبطاً بـ(الكتاب العلمي)، مثل تلك الجهات الناشرة التي تركز على نشر المقررات أو المناهج الدراسية للطلاب في المراحل الدراسية المختلفة (التعليم العام، التدريب المهني والمهارات، التعليم الجامعي....الخ)، أكثر من ارتباطه بـ(الكتاب الأدبي) الذي يعتنى بنشر الثقافة العامة والإبداع من شعر ورواية وقصة وفنون ونحوها. ولكن يبقى اختيار وسيلة القراءة والاطلاع - في نهاية الأمر- مرجعها للقارئ نفسه، فهو يختار الوسيلة المناسبة له ولإمكانياته الشخصية لتزوده بالثقافة والعلم وسعة الاطلاع.
وقال الرشيدي إنه يجد المتعة في أي كتاب يضيف له شيئًا جديدًا مهما كان مجاله ومادته ومحتواه: علمي، أدبي، فني، فكري، ثقافي، وغير ذلك من الكتب ذات الموضوعات النادرة، التي تتطرق لتقديم معرفة جديدة لم يسبق لأحد أن تطرق إليها. لكن أعتقد أن أسعار الكتب التي تحددها دور النشر المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب في كل عام أسعار مرتفعة مقارنة بسعرها في المعارض الأخرى نوعاً ما، وهذا ما يجعل كثيراً من زوار المعرض يجدون صعوبة في شراء بعض الكتب نظراً لارتفاع أسعارها، مما يجعل بعضاً منهم يأتي للمعرض فقط كمتجول، يزور هذا المعرض ويستعرض الكتب في دور النشر المشاركة في مواقعها ويتجول بين ردهاتها، يتصفح هذا الكتاب أو ذاك، وربما خرج بعد نزهة طويلة تستمر لساعات قضاها بين أرجاء المعرض دون أن يشتري كتاباً واحداً نظراً لغلاء الكتب كما سبق ذكره.