لم تكن تلك الليلة سوى حلقة من برنامج يحاصرني، الفأل السيء وانعدام روح المبادرة. يا سعود.. يا سعود علي آل علي!. كنت عدتُ قروياً وأنا أدخل الفندق الفخم وأرى الأضواء التي تجعل (الرياض) فاتنة الصحراء. وكان رفيق رحلتي أسهم في حقني بجرعة إضافية من محلول الخيبات وهرب الأصدقاء وتجاهل البورجوازيين. فتحت جهاز التلفزيون وذهلت حينما جعلت أقلّب في أزرار الريموت كونترول فقد كان الجهاز ممتلئاً بالقنوات التي يلزم لرؤيتها بطاقة فيزا أو عدة عشر من فئة المئة ريال أو أو..، جعلت أقلب المحمول الذي أعتبره سارقاً غير شريف!. ورأيتك يا سعود بين كل الوجوه المتراكمة أنت فقط من رأيت، وعجزت عن نسيان الحلوى التي قلت إنك ستحضرها للترحيب بي كصديق ذي مشكلات في علاقته بالآخرين. أتشتت بين عدة (فوزيات) من أجل فوزية واحدة، نعم هي انتهت!. ولكنّ تلك الحديقة الليلية المشجرة بشجر الزيتون، لا تجعلها تبتعد عني مهما كنت وأينما كنت وفي أي وقت!. هي إمرأة ساحرة اللغة بواسطة لسانها وحتى بحركات أنفها المميز بتلك العكفة العراقية. ولا يمكنني في أية لحظة يدور فيها الحديث عن المرأة إلا أن أستدعيها من خلال أزرار بدماغي فائقة الاستجابة وسريعة البديهة. فأتذكر أنها قالت لي مرة (أشعر واسمح لي بالتدخل السافر في كتابتك للدعوات المتنوعة بعضها لزفاف وبعضها لتخرج فرد من العائلة. تعمل خطاطاً ومخرجاً ولكني سأسألك هل حاسة الشم وإلى حدّ ما السمع لديك قويتان؟!)، ثم حدثتني عن احترافها للكتابة رغم أنها لا تريد أصلاً أن تحترف أيّ شيء. عرفت رغم عدم إصغائها للناصحين أن القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود (تصدق؟ أول مرة أعرف فيها مثلاً عربياً بهالدقة! شلون صاير شكل اللي قاله هها هههه)، فارتهنت للجريدة.
لك فقط يا سعود أبوح!. أقسم بالله العظيم. لقد عرفت منك أن الإنسان ولو كان متعالياً بالفطرة وبأشياء مساندة إلا أنه يعود ويفيق ليرى العالم قابلاً للحوار. فقد شعرت من خلال سيرتك يا صديقي العزيز أنك نفضت غبار البورجوازية الكبرى. ونظرت إليّ بشدّة وببطء. عرفتني واخترتني لتقول لي يوماً إنني أتسلق سلالم قلبك. الصداقة قيمة أعلى شأناً من كل علاقات أخرى!
كانت الصالة ميداني الذي أتغلب فيه على إحباطي وفقداني الرغبة في الحياة وأتكلم بصوت مرتفع وهادئ وأشعر أن من يستمعون إليّ بعد دقائق قليلة ينصرفون لسماعي!. أشعر بالنرجسية خلال زمن قليل مسروق من روزنامة التاريخ الذي يبدو لي أنه يعود القهقرى شيئاً فشيئاً. وعندما أفتش الصحف أرى الذين يتغنون بكرمي. وبأنني ملاذهم عندما يشعرون أن بيوتهم ضاقت بهم، فأنا تربيت على أبي. عليه كله. كان فقيراً عظيماً ومؤمناً لا يُجارى. ولم يكن يتحدث كثيراً - خاصة إليّ - فقد كان سلوكه وسيره ومشيته ولحيته التي بها أجمل خضاب وبندائه لأمي الذي يمزج بين القسوة والإعزاز.
يا سعود. دعني أهذي. قيل في الأثر إن محمداً عليه السلام قال عن عمر بن أبي ربيعة لقد ظل هذا الفتى القُرشيّ يهذي يهذي ويهذي حتى إنهم ظنوه شاعراً! فدعني أقل لك إنني بدأت بالإصغاء إلى حديث الناس الموغلين في المحافظة حتى إنني لأشعر أنهم ينتمون لحزب رئيس إمريكا السابق (جورج دبليو بوش) الذي تحول مسماه إلى حزب المحافظين الجدد وليس المحافظين فقط. لأن الرئيس له شطحات ميتافيزيقية كان يقرأ من الإنجيل كل يوم في البيت الأبيض في ساعة محددة على موظفيه الكبار مثل نائبه المليونير (ديك تشيني) والجنرال (كولن باول) ويزعمون أنهم يهدأون. قال أحدهم ويبدو أنه مارق - أفضل من جرعة 10 مجم فاليوم - ولذا سوف أهذي يا سعود، تحمّل تبعات استضافة قلبك الذي أشعر به يتسع لي كل برهة واسمع.
أنا مواطن في سنّ حرجة إن لم أقل في عنق الزجاجة!. مسالم ولكن ليس لأنني أرى تبادل الشتائم ثم الكفوف المجمّعة سلوكاً غير حسن فقط ولكن لأنني لا أجيد الضرب مثلهم، وهادئ رغم أن في داخلي حريقاً بسبب الكآبة الناتجة عن العزلة والوحشة. وآخر مرة مارست فيها البطولة التي أريدها ولكنها لا تريدني كانت عندما كنت سأنعطف إلى زقاقنا فخرج عليّ - جيب – أسود وفقد السيطرة على سيارته وصدم جانب سيارتي ونزل يضحك ويتبادل معي المصافحة ويقول الله يلعنه! ما فيه فرامل، ويغرق في الضحك، لاحظت أن سيارته ذات الماركة الإمريكية العظمى تحطم وجهها تساقط على وجهها قطع متضررة من الاصطدام وقررت أن أتنازل عن أيّ حقّ لي كما يفعلون في الحوادث المتكررة. وقلت له ضاحكاً (اقضب ارضك! وصلّ فرضك. وخلّها للي عيونه ما تنام! ونام) وضحك وجئت لأهلي وقلت لهم القصة. وندمت أنني قلتها لهم. ولكنْ لا تعتذر عما فعلت!. شعر جميل عبرني وساورني هذا النهار، يا سيدتي الأرض. اسمحي لي، أن أكون. حارساً في ظل عينيك «.. ....» لكني سلطان العشاق! وسمعت نفسي أردد أغنية وأنا لأول مرة في حياتي أفعلها، إنني لا أضحك مع الرفاق وهم ينتقلون إلى فقرة - التنكيت - في برنامجهم المكرور واليائس، فكيف أغني مع نفسي؟! أتشعر يا سعود بأنني صرت سخيفاً؟!، لقد ثرثرت عليك حتى استهلكت الأوكسجين الضروري لك أنت، فهو من أدواتك كالمعجون وآلة الحلاقة، وحبة الفيتامين قبل الإفطار لأنها تغذي الشعر بمواد لا أعرفها مثلما أعرف أنها لا يمكن أن تلبس قميصاً كالكسالى وتتمدد أمام التلفزيون تتابع عرب سات!، إنها من (حائل) كما كانت نتيجة عملية نظرية الاحتمالات التي تطرأ كل برهة، لم تعد تحييني بلا صوت. كل مرة تفاجئني أنها ثمنّت الرجل المسالم الخجول. لقد قالت مرة وهي تستأذنني في التليفون لقد طرق الباب. أنا مواعدة زميلة وبعدين أكلمك حبيبي!. وكتمت جوالها «....» لكني سمعتها بحساسية عالية جداً. وندمتْ!، ندمت ندما لا يمكن أن تغتفره لنفسها ولو عاشت قرناً من الزمان.
سعود.. عرفت أنها جريئة جرأة المجرّب!، لم تكن غادة صديقتي التي حدثتك عنها تقول لي يا فلان كم تحتاج من قرص فاليوم لكي تكتب لي كل شهرين أنا أحبك؟ !فقط. لكنّ غادة كبرت مثلك يا سعود. «..........»
وتقول لي مرة إنك المركز الرئيس للجمال الذي وصفته بـ(الغريق). ضحكت وشكرتك على المجاملة الكريمة التي لا تستغرب منك. يا غزال الكلام والجمال الوحشي والحرف الذي ينقصه أن تقول بعد نطقه - مكعب - أو - مربع - كما حدث لي مع درس الجبر!. لقد عجز أن يدخلَ مخّي الجبر ومعطياته ورأيته أحجية كالألغاز المستمدة من تراث ناس ما. تكتب ليلى (مرحبا............. جار) ثم تقول رسالتها البقية وهي مشكلة هل أرسل لها كتاباً من كتبي؟ أو هل أسمح بإعادة نشر كلامي الذي في كذا عام كذا؟ وذلك لأنها مؤمنة بعدم خضوعي للمؤسسات الرسمية، وهي ستكتب عني في مجلة تصدر عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية! ,, مثلاً. مثلاً! مرة قلت لها تفاصيل ليلة عرس صممتها في خيالي بسبب العزلة التي طالت وأظنها ستطول. فردت عليّ وهي تنظر للأفق لتشرب الخيال (الله! يا ليت من حضر تلك الليلة! آه!) سلامتك من الآه يامن اخترت اسم طاغور ظناً منك أنه قناع واق ٍ من المتطفلين!، كنت أولهم إذ وضعتك ليلتها في حلمي الذي أكرره كلما تداعيت الى سيرتهن!.
والله إنني أخجل من القول لك إنني إنسان حقير!. وتافه. وأتذكر (قالت العرب) فتجيء حكمة الأجداد - الرجل إذا تعدّ ى الأربعين أصابته الغُلمَة! والغلمة هي اشتقاق بليغ وإعادة صياغة لحكاية عدم التناسب بين الرغبة والقدرة! أضحك يا سعود. الله إنك تضحك مثل من يغني! مرة سألت لاعباً لكرة القدم تعرفت عليه بمحض لحظة خيال ارتقى لأقوم ببقية الحفلة وقد قمت! لا! لم أنم وأهمله. جئته في الفندق. جئت الفندق قبل هبوط طائرته وهذه هي مسألتي معه إذ كان قال إسمعني. بصراحة، ثم سكت. فقلت له ما بك سكتت؟ قال أنت تعرف أظن! ولا داعي لهذه الأسباب حتى أذكرها، قلت له لماذا تصير أثناء اللعب غاضباً ومتوتراً مع أنك لا شك تصول وتجول. فقال بصوت لم أتخيل هدوءه - أنا لديّ غريزة الفوز!. فهتفت بلا وعي (يا الله! لم أسمع أو أقرأ مثل هذا الوصف. أنت لست ماهراً فقط كلاعب إنك أيضاً محلل رياضي من الطراز الأفضل!)
ضحك بهدوء جميل ومؤثر وقال:
- تقصد غريزة الفوز؟ هه؟
- نعم! كيف عرفت؟
- لأن هذا السؤال سئلت عنه من قبل عشرات الإخوة المواطنين الذين تربطني بهم علاقة احترام. أشعر أنني في معركة وأنني ولد الوبيران عندما أدخل المباراة! هذا شعوري الشخصي الحقيقي ساعتها فإنني أقول لهم، إنني لا أقصد القبيلة بل أقصد القميص الأخضر. فهو أهم من قميصي الأزرق بصراحة وهذا ما جعل المتعصبين الجهلة يهتفون ضدي في المدرج ويتطاولون على مواطن ولاعب جيد ويتعصبون عنصرياً ضده، والله.. الله!
قلت ملاطفاً إياه ومنجذباً إليه فهو جذاب وجميل وحديثه يشبه الموسيقى ومبتسم دوماً ليس تصنعاً بل هي خِلقَة الله :
- تعشّ لديّ الليلة ونتفاهم زين! حلفتُ عليك...
وجعل يتذرع بذرائع غير مهمة لهذه الدرجة ثم فاجأني
- ومن قال إنني لن أقبل عزيمتك
وسوف آثقل عليك
- ما هذا الكلام يا رجل؟ إنني أعتبرك من شيوخنا. وشرف لي أن تدخل بيتي يا أبوبندر!
- الله يعزّ مقامك! أنتم شيوخنا..
وبعد هذا يسألونك عن الرجل فلان ألا يقولون إنه ليس مهتماً بالدين والمجتمع إلا من وجهة نظره ويريد فرضها على عباد الله.
سعود.. الله يخليك إكليلا من الورد يوضع عند بابي، ليعرفوا إنه ثمة صديق لي أمارس معه النفاق. ثم جعلوه نفاقاً للتكسب وآخرون جعلوه إنجذاباً شديداً له كونه جميلاً وبالذات أنفه المائل ميلة جميلة ووضعوا وثائق في الإنترنت لكنها كانت من خطابي المتوزع في أمكنة عدة.
سعود أرجوك كن بجانبي. لا تدعني وحيداً إزاء المتربصين بي. فأنا لوحدي ليس يمكنني تجنب عنف ربما يصلون إليه في لحظة عدوانية. هل ستنام؟ نَم أفضل من أن تواصل ثماني ساعات فوقتها تجيء تحت التأثرات الجانبية لأدويتك مغموماً ومنغلقاً وتظل صامتاً وعدوانيًا.
يا عزوتي يا سعود لا تدعهم يوصلونك إلى المربع الأول – مربع هل تلعب أم تعتزل. لا تعتزل مطلقاً فهم يريدون إدخالك كراسي الاحتياط. أنت إنسان خلقه الله من مزيج من الورد والبركة.
- حائل 2014