وتتمثّل في سلسلة معارض وبرامج فنية شهدتها عدة مدن مثل المدينة المنورة وجيزان والخبر وجدة، وعادت مؤسسات عريقة في المجال إلى الواجهة بعد غياب مثل «المنصورية» وهي قطاع مدني عمل فترة من الزمن باحتراف وجودة عالية، ثم تقلّص دورها واختفت.
وتوسعت أعمال جهات فنية خاصة لتشمل فنون الأداء، وربما أتى اليوم الذي تسحب فيه البساط من الأندية الأدبية فيتولى القطاع الخاص تنظيم المحاضرات، ويحتفي بالإبداع، ويصدر الأعمال الأدبية، ويقدم المناسبات فيخرج الأنشطة إلى الناس في كل مكان بعيداً عن صراعات أعضاء مجالس الإدارة و»بحلقة عيونهم» على «ملايين الدعم» وثتبيت الكراسي مدى الحياة!.
الإسهامات التشكيلية الجديدة التي يقودها القطاع الخاص هاجسها ربحي في المقام الأول لكنها تقدم رسالة مفادها إعلاء قيم الجمال والتسامح والقدرة على التعبير دون صراعات أو قمع أو ترهيب، وحين تتخذ من الأسواق التجارية والشوارع منطلقاً لأعمالها فهي تؤكد على النسق الجماعي، وتعزز العمل بروح الفريق والقراءة المتعددة في فضاء حر بعيداً عن سطوة التوجيه والتلقين.
هنا نتذكر فعالية «أنا فن» بجدة التي جعلت المتعة التشكيلية جزءاً أصيلاً من الرحلة السياحية حيث رسمت جولة على سلسلة معارض مع زيارة المتحف الفني المفتوح على كورنيش المدينة، وهو نواة الحركة الفنية المزهرة في جدة التي أرسى قواعدها أمينها الأسبق الفنان محمد سعيد فارسي.
الفارسي نفسه الذي أسس بيت الفنانين التشكيليين ودعمه بشكل غير محدود وبقي مع الزمن رغم الصراعات المتتابعة التي عصفت به، واستحق قبل أيام التكريم في اثنينية الخوجة التي تلتفت إلى الشخصيات والمؤسسات الاعتبارية ذات الدور الحضاري والثقافي والتنموي في البلاد.
تحضر كل هذه الفعاليات في ظل تراجع دور الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وعدم قدرتها على مجاراة الفعل الثقافي والاجتماعي في احتضان الفنون والترويج لها، وليت وزارة الثقافة والإعلام التي تتسامح مع هذه النشاطات تفعل ذلك مع فنون الأداء والموسيقى، فتقدم الإذن للفرق المسرحية والجماعات الإبداعية وغيرها لتقدم نفسها بمقدار الحرية التي وهبتها للبرامج التشكيلية، ومن ذلك إصدار الأعمال الإبداعية، وتأسيس دور النشر، وإصدار المجلات الثقافية لتتآزر التجارب الفنية والثقافية في مشهد واحد يحظى بمقدار الدعم والفسحة ونطاقات الحضور.
وإن كانت المؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية والوطنية قد صرفت جزءاً من أجندتها وأموالها لمكافحة الفكر المتطرف أحادي الرؤية البارع في صناعة القمع والإلغاء فإن عليها أن تعيد صياغة سياساتها وبرامجها وآليات عملها لتتواءم مع حاجة الإنسان للفن على تنوعه ورحابة آفاقه وقدراته المثلى على تشكيل الذات المتصالحة التي تؤمن بتعدد أطياف الفكر وحرية التعبير وتنوع أشكاله واتساع رقعة المتواصلين معه، وأن يكون حقاً مكفولاً للجميع، وقد تعي المؤسسة التربوية ذلك فتفسح للفن متسعاً في مقرراتها ومناهجها وميدانها، وتلجأ المؤسسة الأكاديمية إلى افتتاح كليات الفنون الجميلة والتطبيقية وفنون الأداء والموسيقى باعتبارها شرطاً حضارياً ومكوناً رئيساً في المشهد الإنساني الحضاري.
أما إنشاء المتاحف الدائمة فشأن بالغ القيمة ربما كانت الهيئة العليا للسياحة الأقدر على رعايته وتعزيزه فتضع القوائم المعيارية لها، وربما كان من واجبها ورسالتها تقديم الدعم المادي والمعنوي لأصحاب هذه المشاريع المغيبة عن حياتنا، وإن وجدت فهي اجتهادات فردية متواضعة تجمع ذكريات الأفراد وتختفي برحيل أصحابها.
محمد المنقري - جدة