المؤلف: مجموعة باحثين
الناشر: مؤسسة مؤمنون بلا حدود - الرباط - 2014
يستأثر سؤال الحداثة بمساحة واسعة في خريطة النقاش المعرفي والسياسي في بلداننا، بعد أن تجاوزت إطارها الغربي، وأخذت بفعل عوامل عديدة تفرض نفسها على مجتمعات العالم المختلفة؛ لتشكل تحدياً مركزياً وأيديولوجية كاسحة، خاصة حين خُيِّل للكثير أنها «الحداثة» بــ»ال» التعريف، أي لا مجال للحديث إلا عن نمط واحد من الحداثة، وليس على مجتمعاتنا إلا الأخذ به. وهي بذلك تزحف بنا للركون إلى مطلقات لا تؤسس للخيار التداولي، ولا تراعي الخصوصية الحضارية، أي أنها حداثة فوقية، لا تمت بصلة للجاهز الاجتماعي.
أفضى هذا المسار الحداثي الدخيل إلى بروز الخطاب الهوياتي المقاوم للحداثة، مع أنه يقف على منجزاتها التقنية: خطاب يُعلي من قيمة الذات التاريخية، ويتمثلها كأفق للمستقبل، ويركن إلى الخصوصية كمقولة تُستدعى في سياق السِّجال مع الآخر، ويُغيب الرؤية العلمية الرصينة.
لأجل ذلك تُعد المقاربة المعرفية، التي تتغيى دراسة أصول الممارسة المعرفية والبنية العلمية للخطاب الحداثي، أمراً ذا قيمة محورية في أي مشروع للمراجعة؛ ذلك أن هذه المقاربة هي الكفيلة بكشف الأبعاد المرجعية الكامنة، والمؤسسة لتشكلات الحداثة وصيرورتها؛ وبالتالي تحقيق إمكان المراجعة والتقويم.
وهذا الكتاب يحاول المساهمة في ترسيخ الوعي بضرورة المدخل المعرفي العلمي في دراسة موضوع الحداثة، وفي تناول قضايا المجتمع والمعرفة عموماً، وما يعنيه ذلك من تعدُّد للمداخل المقاربة للموضوع حفاظاً على طبيعتها التركيبية.