كان قرار جامعة الملك خالد مع بداية هذا العام الدراسي بتحويل تدريس بعض شعب طالبات الدراسات العليا إلى نظام «الفصول الافتراضية» قراراً شجاعاً ومهماً، كشف بالتجربة عن إمكانات ضخمة للتقنية يمكن أن يستفاد منها في العملية التعليمية؛ ويمكن من خلالها توفير الكثير من الإمكانات التي تستنزف الجامعات، بل وتعطلها أحياناً عن القيام بدورها في الوفاء بحاجات المجتمع بحجة تعذر وجود المباني، والإمكانات اللازمة للعملية التعليمية والتربوية. إن نظام الفصول الافتراضية يقوم -كما تقول أدبياته- على أنه نظام يتيح نقل المحاضرات إلى الطلاب والطالبات مباشرة على «الإنترنت» بشكل تفاعلي بين الأستاذ وطلابه وطالباته، ويمكن تسجيل المحاضرات لإعادة مشاهدتها من المحاضر والطلاب في أي وقت. هذا ما تقوله الأوراق، ولكن ما رأيته مع بعض الزملاء أعضاء هيئة التدريس في الجامعة على الواقع، وبعد التجربة يقول باختصار: إن الفصل الافتراضي هو فصل عادي يجمع الطلاب أو الطالبات مع أستاذهم عبر التقنية، ويتيح وسائل الشرح المتنوعة، ويعطي الفرصة للنقاش والأسئلة، وتضاف له الخاصية الرائعة السابقة وهي إمكانية تسجيل المحاضرة؛ لمشاهدتها لمن شاء من الطلاب، لغيابه، أو للتأكد من نقطة، أو مراجعة جزئية في المحاضرة... ولعل مما يمكن أن يكون مهماً هنا أن جامعة الملك خالد حين اتخذت قرارها، قدمت قبل بدء التطبيق دورات مكثفة ومثمرة لأعضاء هيئة التدريس في الفصول الافتراضية، من خلال الزملاء في عمادة التعلم الإلكتروني وعلى رأسهم عميد التعلم الإلكتروني د. عبدالله الوليدي، والأستاذ النشط محمد جارالله مدير التدريب وسأكون صريحاً فأقول: إن قلق الظنون حول قدرتنا، ونجاحنا في التعامل مع هذه التقنية الجديدة كان يتناوبني، وهو موقف من الجديد ورثناه فيما يبدو من طبيعة إنسانية عامة! بيد أني أغلقت كل منافذ هذه الظنون، وآثرت الانتظار والتأمل ومواصلة هذه الدورة، وكبت كل الأفكار التي يقفها الإنسان في كثير من الأحيان ضد الجديد، ثم يكتشف كم كان ظالما لهذا الجديد، قاسياً معه في بداية أحكامه! وانتهت الدورة وجاء دور التطبيق، وجاءت أفكار متشائمة أخرى تقول: إننا سنقع في إشكاليات الشبكة، وعوائق الاتصال من قبل الطالبات، أو اعتذار بعضهن بعدم وجود أجهزة أو شبكة لديهن، بيد أن الجامعة كانت واضعة أمام عينيها مثل هذه القضايا، حيث وفرت لمن لديهن مثل هذه الظروف من الطالبات قاعت خاصة في مركز الطالبات تمكهن من الاتصال وحضور هذه المحاضرات.. وحين بدأنا مع طالبات الدراسات العليا أكتشفت أننا أمام تقنية مهمة جداً، تقدم المادة العلمية في يسر وسهولة، وعبر نقاش مسموع ومكتوب، وتفاعل متواصل... واكتشفت أن ظني في مشكلات الشبكة لم يكن له ما يبرره، وأن خوفي من كلمة «الافتراضية» لا يعدو أن يكون شعوراً مؤقتاً يفرضه الجديد، وكلما كان الفصل الدراسي يسير كانت التقنية تثبت نجاحها، وكنت أفكر في أهمية استثمار الجامعات الأخرى لهذه التقنية، وتوظيفها في الدراسات العليا، وكنت أتساءل عن إمكانية التعاون بين أعضاء هيئة التدريس في الاشتراك في تقديم مواد الدراسات العليا عبر محاضرات مشتركة في المستقبل، وفي إمكانية أن تستفيد الجامعات من بعضها في هذا الميدان؛ لتوفر الجهد وعناء السفر ليس على الطلاب والطالبات فقط، بل وعلى بعض الأساتذة الزملاء الذين يتعاونون مع بعض الجامعات في برنامج الدراسات العليا، ويضطر بعضهم إلى السفر أسبوعياً، بينما يمكن لهذه الفصول أن توفر الوقت والجهد والمال على الطالب والطالبة والمحاضر والمحاضرة، والجامعة أيضاً... إن حكماء العرب الذين صقلتهم التجارب قالوا قديما: «ليس الخبر كالعيان» ولست هنا أحدد قيمة هذه التقنية إلا من خلال التجربة، وهي تجربة أشهد أنها كانت متميزة لي، ولكثير من الزملاء الذين كنت أسألهم عنها، بل ولطالبات الدراسات العليا اللواتي كن يحضرن هذه المحاضرات من منازلهن، وبالقرب من أطفالهن وأسرهن، ولست هنا أدعي خلو التجربة من بعض العيوب، وهي عيوب فنية عابرة، فكما أننا لن نعدم أن نسمع في الفصول العادية أعذاراً من الطلاب والطالبات عن التأخر أو الغياب بسبب الظروف الجوية مثلاً، أو ازدحام الطريق، فهو ما قد تسمعه أحياناً في الفصول الافتراضية، بيد أن خاصية التسجيل للمحاضرات تبقى ميزة إضافية لهذه الفصول.
إنني هنا أدعو الزملاء في الأقسام النظرية والعلمية في الجامعات الأخرى الذين لم يفعلوا هذه الفصول إلى دراسة تفعيلها في برامج الدراسات العليا، بعد النجاح الذي مرت به جامعة الملك خالد في هذا الميدان وأثق أننا سنكسب الوقت والجهد والمال عبر تقنية مفيدة ناجحة، إذا ما استطاعت الجامعات أن توفر البنية الراسخة لمثل هذه التقنية، وأعي أن تبادل الخبرات والتجارب بين الجامعات السعودية في هذا الميدان بات ضرورة في ظل كل هذه الفوائد التي يمكن أن تجنيها الجامعات وطلابها وطالباتها، وأكرر هنا ما قاله لي عميد التعلم الإلكتروني في جامعة الملك خالد، حين قال: ربما يأتي اليوم الذي تستغني فيه الجامعات عن كثير من المباني والقاعات الدراسية، وتوجهها نحو أمور أخرى؛ إذا توجهت الجامعات نحو هذه التقنية الجديدة، وأعي أن عمداء، ومشرفي التعلم الإلكتروني في الجامعات خير من يتحدث عن هذا الموضوع، بيد أني هنا أنقل التجربة كما عايشتها، وأتطلع للاستفادة منها مستقبلاً في كل الجامعات التي لما تستفد منها حتى الآن.
د. عبدالله بن أحمد بن حامد - جامعة الملك خالد- كلية العلوم الإنسانية