للتاريخ وجهان ...
وجه يظهر لنا ...
ووجه لا بد أن نبحث عنه ...
يتحدث الكتاب بشكل عام عن السرقة التي قام بها الغرب لإنجازات الثقافات الأخرى في كافة المجالات، والحديث هنا عن الثقافات بشكل عام وليس الثقافة العربية فقط. ويتميز بوفرة معلوماته وأدلته على الفكرة التي يريد أن يصل إليها، وهي نفي «مركزية أوروبا للتاريخ» فالإنسانية تراكم حضاري إيجاباً وسلباً.
فأوروبا لم تسرق الحضارة فقط بجانبها الإيجابي، ولكن يتحدث عن سرقة التاريخ حتى بالجانب السلبي، وكأنه يريد القول إن أوروبا التي لم تخترع الإيجابيات وحدها فهي كذلك ليست مسؤولة عن السلبيات وحدها.
فهو بقدر ما يريد أن يكون منصفاً إلا أنه من جهة أخرى يريد نفي تهمة أن كل الفساد من أروروبا، فكما أن ليس كل الخير من أوروبا فإن الفساد أيضاً ليس كله من أوروبا.
يقدم المؤلف نظرة واعية وراقية عن فكرة تطور الحضارات الإنسانية. فلكل أمة تاريخ، ولكل حضارة مساهمة. وكل أمة تسلم لأختها الراية، وكل أمة تضع ثقلها وبصمتها لتأتي أمة لتكمل ما بدأته التي قبلها وتعطي التي بعدها ما أنتجته.
بالحديث عن التاريخ الحضاري للإنسانية لا يمكن إغفال دور حركة الترجمة العربية. فدور العرب في الحفاظ على المكتسبات الإنسانية لم يكن مقتصراً على ترجمة علوم الإغريق كما يحاول أن يشيع البعض من خلال فهم قاصر بما لا يمكن تصديقه عقلاً، ففكرة أن الحضارة تبدأ وتأتي من مكان واحد فكرة لا يمكن قبولها. فحضارتنا وأعني بها الحضارة الإنسانية وليس الحضارة العربية الإسلامية فقط، والتي ليست إلا جزءاً من كل، فهي حضارة مكملة لما قبلها.
الفكرة النهائية التي يتحدث عنها المؤلف فكرة واضحة، وهي باختصار أن الحضارات الإنسانية بناء تراكمي من الصعوبة حصرها في أمة معينة أو عرق وحيد أو قارة وحدها، فالتاريخ كما يعتقد بعض الأوروبيين وبعض من ينجرف حول هذا الكلام لم يكن أوروبياً خالصاً وليست أوروبا الوحيدة التي طورت البشرية. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من هو: «بُعٍثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، أي أن الأخلاق لم تكن غائبة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى ليتممها، وكذلك الحضارات والفكر الإنساني، من غير المعقول أن تعتقد أن قبل أوروبا لا يوجد حضارة أو من دون أوروبا لا يوجد حضارة، فكل أمة وكل حضارة تستفيد من الحضارة التي تتبعها وتزيد عليها.
أخيراً ...
إن الحضارات بالنسبة للإنسانية مثل السلم الذي يرتقي عليه الإنسان الفرد، ليصعد إلى الدرجة التي بعدها فهو لن يصل إلى الدرجة (10) دون أن يطلع السلم من (1) إلى (9)
ما بعد أخيراً ...
اجتزاء الجزء من الكل ... مصيبة.. وإذابة الكل في الجزء ... مصيبة أعظم!
** **
- خالد الذييب